في عالمنا اليوم يُطرح سؤال عن ما هو سرّ التجسّد؟ هو تجسّد الله الكلمة من العذراء مريم، وهذا الحدث الإلهي لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل يحمل في طيّاته رسالة أمل ورجاء عميقة للإنسانية، والعلاقة الوثيقة بين الرجاء وسرّ التجسّد، وكيف أنّ هذا السرّ يمثّل منبعًا لا ينضب للأمل في حياة المؤمن.
ومصدر الرجاء المسيحي هو سرّ التجسد؛ لأنّ الله معنا، ولم يبقَ بعيدًا عن البشرية، بل دخل في حياتنا البشرية ليعيش معنا ويتألّم معنا. هذه الحقيقة وحدها تكفي لإشعال شمعة الأمل والرجاء في قلوبنا.
من خلال سرّ التجسّد ندخل في الحياة الجديدة ومصدرها هو الروح القدس الذي نتلقاه في سر المعمودية هو ضمانة للحياة الجديدة في المسيح. هذه الحياة الجديدة هي حياة ملؤها المحبة والسلام والفرح، وهي حياة تفتح آفاقاً جديدة للأمل.
كلمة اليوبيل تعني القرن، لأنّ الإعلان عن هذه السنة كان يبدأ دائما بالنفخ في القرن. فقد أمر الله شعبه المختار في العهد القديم أن يعملوا أعمالهم لست سنوات متتالية، ثم يرتاحون في السنة السابعة، ويستمرّون على تكرار هذا الأمر لمدة سبع مرات، ثم يحتفلون في السنة التالية باليوبيل وهي السنة الخمسون. فما هي سنة اليوبيل؟
في الواقع كان اليوبيل يهدف لمساعدة الشعب على عيش أخوّة ملموسة تقوم على المساعدة المتبادلة. يمكننا القول إنّ اليوبيل في الكتاب المقدس كان “يوبيل رحمة” لأنه كان يعيش في البحث الصادق عن خير الأخ المعوز.
سنة العتق: فيها يُعْتَق العبيد، ويرجع كل واحد لأهله والأرض المرهونة لأصحابها والدائنين يعفون عن المديونين، وتقدسون السنة الخمسين، وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها. تكون لكم يوبيلاً، وترجعون كلاً إلى ملكه، وتعودون كلاً إلى عشيرته (لا 25: 10). وتصبح في سنة اليوبيل للبشرية إخوة كلهم؛ ولذلك عندما نحتفل بسرّ التجسّد نصبح كلنا أخوة بيسوع المسيح كلمة الله الذي أخذ جسدنا لكي يتّحد بنا.
سرّ التجسّد وسنة اليوبيل يدعونا إلى معايشة الحياة المسيحية على مثال سيدنا يسوع المسيح عندما نعيش الحب والغفران. وفي هذه السنة نعيش فضيلة الرجاء في مواجهة تحديات الحياة لمواجهة الألم والمعاناة، ويجد المؤمن في سرّ التجسّد قوّة لتحمّل الآلام والصبر على المحن. فالرب يسوع نفسه قد شاركنا، وهو يفهم آلامنا ويعزّي قلوبنا.
* في مواجهة الخوف والموت: الإيمان بقيامة المسيح يقضي على الخوف من الموت. فالموت ليس نهاية المطاف، بل هو انتقال إلى حياة أبدية في حضرة الله.
* في مواجهة الظلم والشر: على الرغم من انتشار الشر في العالم، فإننا نؤمن بالنصر النهائي للخير. فالمسيح قد قهر الشيطان، وسيأتي يوم ينتصر فيه الحق على الباطل.
كيف نعيش رجاء التجسّد؟
* الصلاة: الصلاة هي وسيلتنا للتواصل مع الله والتعبير عن رجائنا فيه.
* المشاركة في الأسرار: الأسرار المقدّسة، مثل القربان المقدّس، تقوّي إيماننا وتجدّد رجاءنا.
* خدمة الآخرين: الخدمة هي تعبير عملي عن محبّتنا لله وللقريب، وهي تزيد رجاءنا بالحياة الأبدية.
* التأمّل في كلمة الله: قراءة الكتاب المقدّس وتأمّل كلماته تغذّي إيماننا وتقوّي رجاءنا. سرّ التجسّد هو أعظم هبة من الله للإنسانية. إنه يمنحنا رجاءً أكيداً بالحياة الأبدية، ويقوّينا لمواجهة تحديات الحياة. لنجعل من هذا الرجاء نبراساً يضيء طريقنا في هذه الحياة، ونسعى جاهدين لنعيش حياة تليق بهذا الرجاء العظيم.
حدث اليوبيل الروحي العظيم، يحمل في طيّاته الكثير من المعاني العميقة التي تتلاقى بشكل وثيق مع سرّ التجسّد والرجاء المسيحي.
سنة اليوبيل: هي سنة مقدّسة في العهد القديم، يُحتفل بها كل خمسين عامًا، وتتميز بالعفو عن الديون، وإطلاق العبيد، وإعادة الأراضي إلى أصحابها الأصليين. ويرمز اليوبيل إلى تجديد العهد بين الله وشعبه، وإلى بداية حياة جديدة.
* اليوبيل والخلاص: يرتبط اليوبيل ارتباطًا وثيقًا بفكرة الخلاص والتحرر من العبودية، الخطيئة والموت.
حياة يسوع عندما دخل المجمع، دُفع إليه سفر إشعياء النبي، ففتح السفر، وقرأ كما جاء في إنجيل معلمنا لوقا البشير “فدفع إليه سفر إشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه. 18 روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية. 19 وأكرر بسنة الرب المقبولة” لو 17:4-19. فهذه السنة ليست للراحة، ولكن للعمل الروحي الذي يُرضي الرب من قراءة الكتاب المقدس، للصلوات والتسابيح، فهي تذكار للراحة الأولى التي كانت في الفردوس.
سرّ التجسد: هو حدث إلهي عظيم ومع محبته للبشر صار الله إنسانًا في شخص يسوع المسيح، لكي يخلّص البشرية من الخطيئة والموت. واليوبيل يدعونا أن نعيش الحب على طريقة الله المحب للبشر. ويويبل الرجاء هو الثقة الراسخة بأنّ الله سيفي بوعوده، وأنّ المسيح سيعود ثانية ليقيم السماوات والأرض الجديدة.
التجسّد واليوبيل: يمثّل التجسّد اليوبيل الأبدي، حيث حررنا المسيح من عبودية الخطيئة، وأعطانا حياة جديدة.
تلاقي اليوبيل وسرّ التجسّد
* الرجاء في اليوبيل: عندما يحتفل الشعب اليهودي باليوبيل، كانوا يعيشون رجاءً جديدًا بحياة أفضل. والرجاء المسيحي هو أن نؤمن بيسوع المسيح، فإننا نعيش رجاءً أبديًا بالحياة الأبدية.
* اليوبيل والتجسد: كلاهما يمثّلان بداية جديدة، وفرصة للخلاص والتحرر، وعندما نعيش اليوبيل على المستوى الشخصى عندما نتوب عن خطايانا، ونبدأ حياة جديدة في المسيح، وأستقبل الطفل يسوع في قلبي.
* بناء مجتمع أفضل: يمكننا أن نسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وإنسانية، مستوحى من قيم اليوبيل والتجسّد.
فتح الباب المقدس في اليوبيل وسرّ التجسّد: هو تقليد كاثوليكي عريق يرتبط ارتباطاً وثيقاً باليوبيل، وهو عام من الاحتفالات الروحية والغفران. يتميّز اليوبيل بفتح باب خاص في إحدى الكنائس الرئيسية، ويرمز هذا الباب إلى باب الرجاء وفرصة جديدة للبدء -مجدداً-. وفتح باب قلوبنا لكي نستقبل الطفل يسوع كما ولد في مغارة بيت لحم.
يرتبط هذا التقليد ارتباطاً وثيقاً بسرّ التجسّد، وذلك لأسباب عدة
* الباب كرمز للمسيح: في الكتاب المقدس، يُرمز إلى المسيح أحياناً بالباب، حيث قال يسوع عن نفسه “أنا هو الْبَابُ. مَنْ دَخَلَ بِي يَخْلُصْ، فَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ الْمَرْعَى” (يوحنا 10: 9). وعندما ندخل من الباب المقدّس، فإننا ندخل إلى المسيح، ونشارك في حياته، ونموت معه، ونقوم معه.
* الباب كرمز للولادة الجديدة: التجسّد هو ولادة جديدة، حيث دخل الله العالم كإنسان. وبالمثل، فإنّ المرور عبر الباب المقدّس يرمز إلى ولادة روحية جديدة، حيث يدخل المؤمن في علاقة جديدة مع الله.
* الباب كرمز للغفران: التجسّد هو عمل خلاص، حيث مات المسيح على الصليب من أجل البشرية. وبالمثل، فإنّ اليوبيل هو وقت للعفو والغفران، حيث يمكن للمؤمنين أن يتطهّروا من خطاياهم، ويعودون إلى الله.
* الباب كرمز للوحدة: التجسّد جمع بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية في شخص واحد، وبالمثل، فإنّ الباب المقدّس يجمع المؤمنين معاً في وحدة واحدة.
ماذا يعني فتح الباب المقدّس للمؤمن؟
* دعوة إلى التوبة والتجديد: إنّه دعوة إلى العودة إلى الله والتوبة عن الخطايا، والبدء بحياة جديدة في المسيح.
* فرصة للحصول على الغفران الكامل عن الخطايا من خلال سرّ الاعتراف…
* دعوة إلى الخدمة هو دعوة إلى خدمة الله والقريب، وخاصة الفقراء والمحتاجين.
* تذكير بالوحدة مع الكنيسة بأننا أعضاء في جسد المسيح، وأننا متّحدون مع المؤمنين جميعهم في العالم.