لنطلب من الرب أن يلقي هذه الكلمات في أرضنا الطيبة، فقلبنا يتوق دوما الى النور. لقد سمعنا هذه الكلمات مرارا، لكننا نبقى عاجزين عن فهمها، علما أن يسوع شدد عليها بقوة.
ما معنى أن نكون نور العالم؟
أنا أدعوكم لتنظروا الى يسوع. يسوع الذي بدأ يعظ، يجتاز القرى والمدن، وريف الجليل، من السامرة الى اليهودية، ليلتقي مع الفقراء، الضعفاء ومنكسري القلوب، والذين ينوؤن تحت مشاكلهم، مثل كثيرين منا..
أناس أتوا يسمعونه ويتعزون بوجوده، لذلك أعطاهم التطويبات ليعزيهم ويمنحهم الرجاء والقوة، وليقول لهم أنكم أنتم أبناء الملكوت.
أنتم نور العالم! كلمات يسوع هذه تعني أنه علينا أن نكون نموذجا للآخرين، ومثلا لهم.
أنتم نور العالم! يسوع أعطانا هذا النور، لكن هل علينا أن نضع هذا النور تحت المكيال. هل علينا أن نحتفظ بهذا النور لنا وحدنا؟ لا يحق لتلميذ يسوع أن يحجب نور الإنجيل عن أخيه.
أعطي لنا النور لنكون بدورنا نورا ولكي يتألق فينا هذا النور، ويتوهج، ويضيئ ويغير العالم. النور أيضا موجود عند الآخرين والمهم أن نراه يلمع في قلب الذين نلتقي بهم.
من المدهش أن يسوع بقوله "أنا نور العالم" ومن ثمّ "أنتم نور العالم" أنه ساوانا بنفسه ولم يعد هناك فرق بينه وبيننا.
القديس يوحنا الإنجيلي أكّد هذا القول في رسالته عندما قال: "إن الله نور" (1يو1/5) فإذا مكثنا في النور نكون أبناء الله فنحمل النور، أي كلام الله، للآخرين. ثم يربط النور بمحبة ألآخرين: "من أحب أخاه كان مقيما في النور ولا خوف عليه من العثار، أما من لا يحب أخاه فهو في الظلام... لا يدري أين يسير لأن الظلام أعمى عينيه" (1يو2/10).
أيها الأحباء
سألني أكثر من شخص عن وضع زحلة خصوصا بعد التهديدات المبطنة من بعض الحركات الأصولية.
بدون شك نحن نمر في أوقات صعبة، ربما تكون الأصعب في تاريخ لبنان، لكن هذا يزيدنا تعلقا بأرضنا وبإيماننا وبكنائسنا وبتراثنا، ولا ننسى أبدا أن العناية الإلهية هي التي تقود بلادنا ولبنان الذي كُرس لمريم العذراء سيبقى منارة للعيش المشترك ورسالة للعالم بتنوعه الديني والحضاري ومركزا لحوار الحضارات والديانات والثقافات.
نحن في أزمة هذا صحيح، لكن يمكن أن نخرج منها، إذا عرفنا كيف نبني وطنا يتساوى فيه الناس أي أن نزيل من قلوبنا ومن نصوص دستورنا الروح الطائفية والمذهبية، وهذا يتطلب إرادة قوية وحازمة من حكامنا ورؤساء الطوائف والأديان.
ما نحتاجه اليوم هو الجرأة والشجاعة في تغيير الخطاب الديني والتصدي بعقلانية وبروح الانفتاح للذين يتخذون الدين غطاء للوصول الى مآربهم السياسية والدينية. لو كنا نحن القادة نؤمن حقا بالمساواة والعدالة بين المواطنين لكنا بنينا وطنا ينعم الآن بالسلام والطمأنينة.
أخيرا أتمنى أن نعيش بنور المسيح، فكلنا عرفنا رجالا ونساء كانوا نورا للعالم، كانوا كائنات منيرة ومشرقة. وحياتهم كانت مثلا لنا لأنهم عرفوا أن يعيشوا باستمرار بحضرة الآب السماوي ولأننا من خلالهم عرفنا أن الله هو النور الأزلي الذي لا يغرب. آمين