عندما يتكلّم الكتاب المقدّس عن حبّ الله الإلهيّ ، لا يعني ما تعنيه الملاحم والأساطير اليونانيّة . الكتاب المقدّس يقول إنّ الحبّ هو " الله" ، وهذا ما لم تقله الديانات السابقة أبدًا .

في تكوين 2 : 4 : يبدو الله وكأنه يكتشف شيئا فشيئا حاجة الإنسان إلى الحبّ ، يراه حزينــًا ، كئيبــًا ، يغوص في سبات . الإنسان ليس مثل الله ، إذ لا يمكنه أن يعيش وحده . ورغم وجود كلّ الخلائق حوله ، يبقى بحاجة إلى شيء شبيه به ، شريك له ، وهو لا يجده .

" إنّ الإنسان يبحث عن نفسه عندما يبحث عن شخص آخر "  . هذا هو مختصر فكرة الكاتب اليهويّ ، وهذا ما سيعنيه يسوع في (مرقس 10 : 1 - 12) . وما صورة " الضلع "  التي يرفعها الله من آدم إلا تعبير عن نقص فيه لا يجد إكتماله إلاّ في إنسان آخر .  الكاتب يركّز على هذا البحث ، على الفراغ الكامن في الصدر .

في كلّ إنسان حاجة ناقصة لا يمكن ملأها إلاّ من الخارج . إنه بحاجة ٍ إلى مرآة حيّة ، تحمل حاجته هو . والحبيب الناقص مجروح مثله . القصّة الآولى تقول ما معناه ، لو لم تكن المرأة ، لأضطرّ الرجل أن يخلع ضلعا من أضلاعه . أي أنّ هذه المرأة هي التي ستجعله كاملا ، أي انسانا طيّبا . فالرفيق الحبيب هو مساعد نحو الإكتمال (تك 2 : 18 ) .

في مفهوم الكتاب المقدّس ، هناك فرقٌ كبير بين " حبّ الله " و " حبّ الإنسان " ، لكن حبّ الإنسان أصله من الله ، ولهذا يعمل الله حسابا لهذا الحبّ الإنسانيّ . فالله كائن مطلق ، لا يحتاجُ إلى قرين ولا يعرف العزلة . لكنّ الإنسان لا يصيرُ إنسانا إلاّ من خلال قبول هذا النقص الذي في قلبه . وقبول هذه  الرغبة التي تعمر صدره . إنه بحاجة إلى " لقاء " مع ما يكمّله ، وعندما يلتقي به يستقبله كهديّة (تك 2 ) ، كمصير محتوم يتجاوَز كلّ تصوّراته وتخيّلاته ، فلا يملك سوى الشكر والعرفان .

هذا هو ، إذن ، الفارق بين الكتاب المقدّس والملاحم اليونانيّة . ففي الكتاب المقدّس الله حكيم ، متفهّم ، عارف بأعماق الإنسان ، " فاحص الكلى والقلوب " ، يتجاوب مع حاجات الإنسان كالأب . فيأتي الحبّ من الله ؛ قادمًا من داخل كيانه ، ليسكن في أعماق القلب وفي فراغ الصدر ، يأتي متناغمــًا ، متناسقــًا ، يأتي لا كصدفة أو كحيلة ،  أو كتخطيطا مسبق من قوى غامضة مجهولة  ، وإنّما يأتي كــ " مرحلة " من مراحل الخلق فرضت نفسها ، أضطرّ إليها الربّ كي يعالجَ مشكلة شخص يحبّه .

في الأساطير، الحبّ عقدة . أو مجموعة عقد غير مهضومة ، ولعبة طفل صغير مشدود العينين ، يطير راميًا سهامه كيفما اتفق ، لا أحد يسلم منها . أمّا الحبّ الذي يوقظه الله في الكتاب المقدّس ، فليس شيئا مفروضا من الخارج كــ " قدر " ، لكنه تكميل للمرء وتحقيق لكيانه . في الأساطير ، الحبّ يختطف من الإنسان كيانه وحريّته ووعيه ، ولكن في قصّة الخلق الكتابيّة الحبّ يأتي من الله ليرفع الإنسان ويقوده نحو توحيد كيانه . حبّ الله يكشفُ حقيقة سرّ الإنسان الذي هو سرّه (الثالوث- العلاقة)  . وبعكس مقولة الأساطير يقول الإنجيل :  " ما جمعه الله لا يفرّقه الإنسان " . أي أنّ الحبيب ليس معبودًا ، الحبّ هو المعبود . ومن نلتقي به ليس إلها ، ولا تجسّدا لله . فنحن عندما نحبّ الآخر لا نفقد شخصيّتنا ، بالعكس ، نجدها . ولكن ، لن يصبح الحبّ آخر حقيقة نكتشفها ، فما وراءها هناك حقيقة أخرى ، كائن مطلق يطلّ بوجهه ، هو الذي  على الإنسان هذا أن يبحث عنه  ويحبّه بحبّ شامل غامر واسع ، هذا الفرق مهمّ جدّا لكي ندخل في الفكر المسيحيّ لكي نفهم نظرة المسيح إلى الحبّ . وندخل أيضا في مفهوم الزواج المسيحيّ ولاهوته . لكن ، قبل أن ندخل في " لاهوت الزواج " ، علينا قبل هذا ، أن ندخل في موضوع أسمه : عندما يُزاح الحبّ من مكانه ... وكيف تتمّ إزاجة حبّ الأهل .. والقلق والضغوط .. والإزاحة العاطفيّة  .. وحبّ الإزاحة  وجذوره . يتبع

أحلامنا خالدة إلى الأبد

بعضُ الأحلام، تبقى رفيقةً لنا إلى المدى،
تراودُنا في الصحوةِ قبل المنام،
تنسجُ لنا صوراً في عُمقِ الأعماق،
وتحكي لنا حكاياتٌ تسكنُ الفؤاد…
تخاطِبُ توقُنا الأعمق،
وتغازِلُ شوقنا الدفين،
وتهمسُ لنا همساتِ الحنانِ والشغف…
هي تعبيرٌ عن رغباتنا القصوى،
وتجسيدٌ لحاجاتِنا وتمنياتنا،
وهي ايضاً لهفةُ ارواحنا ونفوسنا….
هي أنينُ قلوبِنا للحب المنشود،
وهي ايضاً وجعٌ يحرقُ اوصالنا بِجِمارِ الوحدةِ!!!!
هي أحلامٌ نرتحلُ معها بَغيَةَ التحلي بالسكينة والسلام،
نُحَلِّقُ معها بأجنحةٍ من شوقٍ، ولهفةٍ، وكثيرٍ من الحسرات، راجينَ ان تأخذنا نحو الهدوءِ والرضى….
هي أحلامٌ في أذهانِنا تنسابُ وتمدُّ جذورها عميقاً مُخترِقةً حشايانا، وقلوبنا، لتصلَ الى أعمق ما في كينونتا وروحنا فتثبت فينا، وتتجذر …..
هي احلامٌ لن تتحقق يوماً،
ولن تُصبِحَ واقعاً،
ولن تراها اعيننا كحقيقة منظورة،
ولن نعيشها فعلياً ابداً،
لكنها لن تُبارحَ قلوبنا، واعماقنا، ووجداننا بل هي خالدة فينا الى الأبد…
هي لنا كطعم المرار في اجوافنا يُصيبُنا بالسَقمِ الموجع، لكننا عاجزينَ عن شفاءِ ذواتنا منها، بل أننا نأبى البحثَ عن الشفاء!!!
هي احلامٌ باتت فينا كما خفقانِ قلبنا، ان توقفت و خمدت، ماتت قلوبنا، وماتت الحياة فينا،
وغدت لنا كما شروق الشمس المُنتَظَر في ساعة السَّحَر، ان لم تاتي سنبقى دونها دون رجاءٍ في الانتظار، ودونَ غدٍ، ودونَ صباح….
بعضُ الأحلام هي حُبُنا، ودفئُنا، واعذبُ ما فينا، وهي ايضاً طاقة الحياة التي تمدُنا بالقدرة على الاستمرار والتجدد، والسعي المستمر….

مشكلة نرسيس…

لا تكمن مشكلة نرسيس بأنه أحب نفسه بل بأنه لم يحب غيرها… حتى أصبحت صورته معبودته… 
يقال أنّ لفظة “نرسيس ” اليونانية (نركيسوس) كانت تتضمّن “ناركي” أي “النوم”: ثمّة نوم ما في عينيّ كل هوية و ليس الخطر بأن ترى نفسها بقدر ما يكمن بأن لا ترى غير نفسها. حين أراد نرسيس أن يقبل وجهه في الماء، غرق في نفسه: فمات!!!
من يكره نفسه، لن يجدها؛ و لكن من لا يحب إلاّ نفسه يميتها… علّ ” نرسيس” المحتجب في كل منا يكف عن محاولات القبض على نفسه في صفحة الماء الذي لا هوية له، ويبحث عن خالقه: هناك يجد الصورة و الهوية… لا يفقد الحب و يقبض على السعادة!!!