مقدمـــة

مما لا شكّ فيه أن طرح أي موضوع روحي وبخاصة موضوع الصلاة، في عالم غارق في المادة ومتّكل على التطور التكنولوجي السريع جداً والذي لم تشهد له البشرية مثيل خلال مسيرتها التاريخية، إنما يضع صاحبه في خانة الإنسان "التقليدي – المتأخر" عن مواكبة هذا العصر الحديث، والمتعلق بـ "أوهام" تبعده عن الواقع المعاش.

وحكم كهذا إنما صادر بدون شك عن الإنسان "الواقعي[1] - المادي" الذي لا بد وأنه قد تخلّى عن ممارسة الصلاة في فترة ما من حياته بعد أن "لمس عدم فائدتها". فذهب يبحث لنفسه عن مصدر آخر يشبع منه رغباته ويضمن مصالحه ويحقق أحلامه …

إن الصلاة مغامرة ومغامرة صعبة لا بل شاقة وخطيرة، يمارسها أغلبية الناس – إن لم نقل جميعهم– في بداية حياتهم. إلا أن الأكثرية الساحقة تفشل[2] فتتوقف. وأمّا البقية الباقية فتبقى مجاهدة حتى تصل إلى النهاية، فيصبح عندنا ما يعرف بـ "رجال صلاة".

إن صعوبة هذه المغامرة يكمن في التحدي الذي نفرضه على ذاتنا في أن نكمل المسيرة أو لا نكملها. فإكمال المسيرة يتطلب جهداً ثابتاً وشجاعة كبيرة وإرادة لا تلين أمام مختلف ما قد نواجهه من عقبات لا يمكن أن نتصورها. إن ما تتطلبه مسيرة الصلاة من صفات لا يكون حصيلة سعي بشري وإنما هي هبة من الروح[3]. وهذه الهبة تبقى مرتبطة إرتباطاً وثيقاً برغبة الإنسان في الحصول عليها، لأن النعمة الإلهية لا تتأتى إلا لطالبها[4]. وبدون أن نطلب لا نستطيع الحصول على شيء …

ما هي الصلاة ؟

بشكل عام وأساسي يمكن تحديد الصلاة بأنها :

علاقة شخصية مع الله الآب والدخول في حوار مباشر معه، بمساعدة من الروح القدس …

لهذا فإنه من الصعب جداً إعطاء تعريف محدد لها. لأن الصلاة موهبة من الله أعطيت لكل البشر من دون إستثناء، على إختلاف توجهاتهم وقناعاتهم وإنتماءاتهم ومذاهبهم… قبل أن تكون عمل إنساني. فيكون أن كل إنسان هو صاحب موهبة تعطيه القدرة على إقامة علاقة فردية قابلة للتطور مع الله. وهو، أي الإنسان، متى دخل في هكذا علاقة فإنه يصبح له، وعلى حسب نضوجه ونموه في علاقته مع الله، تحديدات خاصة به، تختلف عن تحديدات "الآخر" لها. وبالتالي يصبح عندنا تحديدات لا محدودة للصلاة، وتصبح الصلاة مرآة تنعكس عليها طريقة عيش كل واحد منّا. وبقولنا علاقة شخصية مع الله الآب، فإن هذا يعني أن الصلاة هي أيضاً خروج من الذات لنفس مشتاقة وباحثة دوماً عن الله من أجل إقامة تلك العلاقة معه. وبقولنا حوار، فإن هذا يعني أيضاً بأن الصلاة هي كذلك إصغاء لذلك الذي نحاوره[5].

من تحديدات الصلاة :

                       · الصلاة هي تنفس نفس إستسلمت لإرادة الله من خلال "نعم" أعلنتها له.

                       · الصلاة توجيه عميق للنفس صوب الله وتنبّه وتيقّظ دائم لحضوره.

                       · فعل إيمان وحب.

                       · التفكير بالله ونحن نحبّه.

وهي تتطلب:

                       · إيماناً عميقاً بالله وشوقاً ملحّاً إلى معرفته عن طريق الحب والخبرة.

                       · مثابرة في البحث دون إنتظار أية نتيجة ظاهرة أو ملموسة.

                       · تجرّد عن كل غاية إنتفاعية.

                       · إستسلام بنوي لله وإنتباه مرهف لحضوره فينا.

                       · إستعداد دائم لسماع نداءاته المتواصلة في أعماقنا.

                       · طاعة متواضعة لإلهامات الروح القدس ولما يريد أن يحقّقه فينا.

مع الإنتباه الدائم إلى أن طريق الصلاة تطول كلّما خيّل إلينا أننا إقتربنا من نهايتها !

ويمكن أيضاً تحديد الصلاة بأنها الوقت المكرّس  بصورة خاصة لممارسة فضيلة الإيمان عملياً، والتوق إلى بلوغ الله. هي إحدى أهم الطرق التي أتحدث بواسطتها إلى الله.

من حيث المبدأ هناك طريقتان أستطيع بواسطتهما التحدث إلى الخالق:</p>

        · الله يسكن وسط البشر، فيكون أني أتكلم إليه في كل مرّة أتصرف بمحبة تجاههم. وهذه صلاة حقيقية أقوم بها كل يوم في صلب الحياة العملية.

        · الله يسمو كثيراً عن كل شيء. لهذا ولكي أتحدث إليه، فإنه من الضروري أيضاً أن أترك  كل شيء: بشر، ملائكة وحتى نفسي للوصول إليه.

ولكي أوفق بين هاتين الطريقتين عليّ أن أجعل حياتي العملية على وفاق تام مع إيماني وصلاتي، وذلك بأن أترجم إيماني بأعمال يومية.

يبقى الهدف الأول والأخير للصلاة الحقيقية إيجاد الله والتقرب منه والتعرف عليه. ولن يتم للإنسان هذا ما لم يرجع، وبمساعدة من الروح، إلى الحالة الأولى التي خلقه الله عليها، أي على صورة الله ومثاله، تلك الصورة التي أرانا الله إيّاها بشكل ساطع ونقي في شخص يسوع المسيح.

[1] واقعي هنا بالمعنى السلبي

[2] والفشل يعود لأسباب عديدة سوف نتناولها في هذا البحث

[3] "ليس أحد يستطيع أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس" (1 قورنتس 12/3)

[4] "إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يفتح لكم" (متى 7/7)

[5] "تكلم يا رب فإن عبدك يسمع" (1 صموئيل 3/10)

قداس البطريرك مع "حركة التجدد بالروح القدس"

بكركي، الاثنين 27 فبراير 2012 (ZENIT.org). – ترأس غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مساء السبت 25 شباط 2012، قداساً لحركة التجدد بالروح القدس في كنيسة القيامة في باحة الصرح الخارجية بمشاركة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير وحضور حشد من المؤمنين من الحركة. بعد قراءة الإنجيل ألقى غبطة البطريرك عظة أكّد فيها أنّ زمن الصوم هو زمن التجدد بالروح القدس والإستماع إلى كلمة الله لكي نتخلّص من داء البرص الذي يصيبنا جميعاً في مجتمعنا شاكراً الله على هذه الحركة التي هي حياة الكنيسة والمجتمع من خلال شهادتها للروح القدس الذي لولاه لبقينا أفراداً مشتتين وليس جماعة للكشف عن سرّ المسيح في حياتنا، وقال:” إن شئت أنت قادر أن تطّهرني “، إنّ الأبرص الذي شوّه  البرص بقروحه جسده وأفقده كلّ جمال الطبيعة إنّما يرمز إلى كل إنسان يعيش في حالة الخطيئة وقد شوّهت الخطيئة نفسه كما البرص للجسد، ففقد بهاء صورة الله. والربّ يسوع الذي هو أمس واليوم وإلى الأبد كما بحث في ذلك القفر عن الأبرص يبحث عن كلّ واحد منّا. وكلّ واحد منّا مشّوه بشكل أو بآخر بخطيئة. نحن نرجو أن نلتمس منه في مسيرة هذا الصوم المبارك كما التمس الأبرص بإيمان كبير وتحدّاه وقال له إن شئت أنت قادر أن تطّهرني فما كان من يسوع أن أجاب لقد شئت فاطهر وزال برصه. يسعدنا أن نلتقي معكم حركة التجدد بالروح القدس وقد أعتدتم أن تلتقوا لمناسبة عيد القديس مارون في قدّاس هنا في الكرسي البطريركي وكانت الفرحة كبيرة ولا زالت بإحتفال صاحب الغبطة  الكردينال صفير بالقدّاس وهو معنا اليوم وبركة على بركة بوجود “بطريركين”. هذه الحركة هي من عطايا الروح للكنيسة في لبنان ” حركة التجدد بالروح القدس” الرّوح الذي هو يجدّد وجه الأرض ويجعل كلمة المسيح فاعلة ويحقق فينا ثمار الفداء والخلاص وهو مثل الروح في الجسد إذا غاب مات المؤمنون ولكنه لا يغيب.  نحن معكم في هذه الذبيحة المقدّسة نشكر الله الثالوث،  محبّة الآب نعمة الإبن وشركة الروح القدس التي ألهمتكم ورحتم تعيشون مسيحيتّكم والتزامكم بالمعمودية وقد اختصركم بالكلمة الجميلة التي تلاها حضرة الرئيس القاضي جان فهد أنّكم جماعة تلاميذ في رسالتهم ووحدتهم بعمل الروح القدس. إنّ كلمة الرب التي شفت ذلك الأبرص قوّتها في الروح القدس، هذا الروح الذي نسأله اليوم أنّ يستقرّ عليكم وعلى عائلاتكم، على الكنيسة وعلى المؤمنين لأنّنا من دونه لا نستطيع أن نعيش معموديتّنا والذي بدونه كلّ شيء يفقد كلّ معانيه. ومع الروح أصبحت كلمة الإنجيل فاعلة ولولا الروح القدس لكانت الليتورجيا والقدّاس احتفالا ولكن مع الروح القدس الكنيسة هي سرّ المسيح الفاعل عبر البشر. هذه هي عطيّة الله العظمى الروح القدس الذي لولاه لا علاقة لنا بالله ولكان انتهى سرّ التجسد والفداء والقيامة في الماضي وظلّ مجرّد تذكار لكنّ الروح يجعل سرّ التجسد والفداء والقيامة حاضر ومستمر الآن والى الأبد. نقدم هذه الذبيحة للشكر على عطيّة الروح القدس وللشكر على هذه الحركة التجدد بالروح القدس التي هي حياة الكنيسة وحياة المجتمع وانتم في عائلاتكم وكلّ واحد في شؤونه وعمله اليومي أنتم تشهدون للروح القدس الذي للولاه لما كنتم تلاميذ وفي الرسالة لظللتم أفراداً من دون وحدة الروح القدس يجعلنا تلاميذا ليسوع المسيح وهو يرسلنا لكي نحمل الشهادة لإسمه ويوحّدنا.  أرسل روحك أيها المسيح فيتجدّد وجه الارض.