تأمّل:
في هذا الإنجيل دعوةٌ لكلّ إنسان للتحلّي بفضيلة التواضع ورفس رذيلة الكبرياءٍ لأنّ "كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يُوَاضَع، وَمَنْ يُواضِعُ نَفْسَهُ يُرْفَع".
فالمتكبّر هو كالفرّيسي ممتلئٌ من ذاته، يحتقر ويدين الآخرين، ينظر الى القشة التي في عين أخيه و لا يرى الخشبة التي في عينه: "أَللّهُمَّ، أَشْكُرُكَ لأَنِّي لَسْتُ كَبَاقِي النَّاسِ الطَّمَّاعِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاة، وَلا كَهذَا العَشَّار. إِنِّي أَصُومُ مَرَّتَينِ في الأُسْبُوع، وَأُؤَدِّي العُشْرَ عَنْ كُلِّ مَا أَقْتَنِي". أتظن أنك بكثرة أصوامك وصدقاتك الخاليّة من المحبّة والتواضع تستطيع أن تُبَرّر أمام الله وتجذب الرب للسكن في قلبك؟ بالتأكيد لا. إن ربّنا نفسه صرّح: "هذا العشار لا ذاك الفريسي نزل الى بيته مقبولا عند الله" ( لو18: 14).
ينظر الرب بعين الرأفة الى الوضيع "نَظَرَ الله إلى أَمَتِه الوَضيعة" (لو1: 48)، ويبدد المتكبرين في قلوبهم (لو1: 51).
أيُّّها الصائمون! لا ندعنَّ الإستحقاق الإنساني الممتلىء بالكبرياء بترصدُّنا ويتملَّكُنا بل فلنصلّ دائماً بتواضع مع القدّيس أفرام السرياني: "أعطِني يا إلهي، أنا خادمكَ، روح التواضع والمحبّة. أجل، أنتَ يا سيّدي وملكي أعطِني أن أرى أخطائي وألاّ أدينَ أخي يا مَن أنتَ مبارك إلى أبد الآبدين. آمين".
اليوم السابع
إنجيل القدّيس مرقس (1: 35-43)
وقَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْر، فخَرَجَ وذَهَبَ إِلى مَكَانٍ قَفْر، وأَخَذَ يُصَلِّي هُنَاك. ولَحِقَ بِهِ سِمْعَانُ وَالَّذين مَعَهُ، ووَجَدُوهُ فَقَالُوا لَهُ: «أَلْجَمِيعُ يَطْلُبُونَكَ». فقَالَ لَهُم: «لِنَذْهَبْ إِلى مَكَانٍ آخَر، إِلى القُرَى المُجَاوِرَة، لأُبَشِّرَ هُنَاكَ أَيْضًا، فَإِنِّي لِهذَا خَرَجْتُ». وسَارَ في كُلِّ الجَلِيل، وهُوَ يَكْرِزُ في مَجَامِعِهِم وَيَطْرُدُ الشَّيَاطِين. وأَتَاهُ أَبْرَصُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه، فجَثَا وقَالَ لَهُ: «إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!». فتَحَنَّنَ يَسُوعُ ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ وقَالَ لَهُ: «قَدْ شِئْتُ، فَٱطْهُرْ!». وفي الحَالِ زَالَ عَنْهُ البَرَص، فَطَهُرَ. فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ وصَرَفَهُ حَالاً.
تأمّل:
زمن الصوم هو زمن الشفاءات. فيه تتجلّى رحمة الله وقوته، تنسابان في حياة الإنسان لتعينا ضعفه وتشفياه من أمراضه.
إنّ الأبرص يعكس حال كلِّ واحدٍ منا، نحن الذين يتآكلنا برص الخطيئة. كلُّنا خطأة ومرضاء "أنا في الإثم وُلِدتُ، وفي الخطيئة حبلت بي أمّي" (مز50: 7) وكلّنا بحاجة للشّفاء. علَّنا نهتف لله متوسلين مع صاحب المزمور: "إرحمني يا الله برحمتك وبحسب كثرة رأفتك أمحُ مآثمي، إغسلني جيّداً من إثمي ومن خطيئتي طهّرني" (مز50: 3-4).
أدركَ الأبرص أنّه مريض وبأنّه سائرٌ نحو الموت فاستغل مرور المخلّص وذهب إليه ملتمساً الحياة متوسّلاً: "إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي". فكان جواب يسوع: "قد شئتُ فاطهر".
إن مشيئة الله لنا هي أن نطهر من مرضنا (خطيئتنا) ونحيا: "أمّا أنا فجئتُ لتكون لهم الحياة والحياة الوافرة" (يو10: 10). لكن علينا من ناحيتنا أن ندركَ أوّلاً بأننا خطأة وبأننا بحاجة إلى الشفاء ومن ثُمَّ نأتي الى يسوع المخلّص ونلتمس منه الحياة.
فلندن إذاً من ربِّ الحياة بثقةٍ وإيمان ونهتف قائلين: "إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي".