المسيحيّة، لا تعرفُ الله المجرّد المطلق والفلسفي، بل الله الثالوث الواحد. (الله العلائقي – الوحدة والكثرة). ولا تقول أبدًا بتعدد الجواهر فيه، كأنْ يكون هناك ثلاثة جواهر إلهيّة معًا، لكن، ما نقصُده، الجوهر العلائقي الواحد.

الله، لا يمكن أن يُوضَع في إطارٍ وقالبٍ جامدين، أو كما تقولُ بعض الفلسفات الحلوليّة، أن الله جُزءًا من هذا العالم الذي خلقه، فيُصبح هنا الله، شيئًا يوضع في مكان ما، في حيّزٍ ما، أو كتكملةِ عددٍ أو كحاجةٍ أو قطعةٍ من هذا العالم؛ في الخلق نتكلّم عن إنسحاب وتواري الله لتظهرُ الخليقة، إنه عملُ حبٍّ ولمسةُ فنّانٍ. الله ليس آلـًة عمياء نُشغّلها حسب ما تشاءُ رغائبنا ومصالحنا، وهذا مع الأسف، ما نراهُ اليومَ في عالمنا المعاصر، عالم التقنيّة والإتصالات. عالمٌ هائج متراكض سريع، عندما يستعملُ الله فقط كحاجةٍ ما من حاجات الانسان المريضة.

مشكلتنا نحن مع الله، أنّـه خفيٌ لا نراهُ أبدًا، في الظاهر، وعلى سطح الكرة الأرضيّة، ولا يُلوّحُ بيديه في أيِّ زاويةٍ من زوايا الكون قائلا: "أنا هنا". البشر يريدون شيئًا يُمسّ باليد، أي أن الماديّات تُسيطر على حياتِنا أكثر من الروحانيّات. وعندما نقول (روح) لا نفكّر فيها كأنّها هواء، أو بخارٌ غازي، أو وهمٌ من أوهام الإنسان يشعُر به كنسمةِ هواءٍ ثم يختفي، وهذا ما يجعلُ من كلمة الله صعبةَ الفهم علينا، وخاصة على هذا الزمن الذي يبحثُ عن المادة، والمال، والبرهان، والمنطق، وكل الظواهريّات والمغريات الأخرى. وهنا عندما تدخلُ الظاهريّة الملموسة، يختفي الله من الوجود، ولا يُذكر، ويصبح وهمًا وخيالاً.

مع شديد الأسف، الكثيرُ منّا، يتصوّر الله مثلُ هذه الألعاب الكارتونيّة، أو أفلام الكارتون والخيال والرسوم المتحرّكة (توم وجيري، وغيرها)، أو الرسوم التي في الكومبيوتر، إنّها موجودةٌ لاننا نراها أمامنا، لكن هي غير موجودة في الواقع كشيءٍ حقيقي إلاّ في الخيال. الكثير منا، يظنُّ أنّ الله نوعٌ من الخيال المخدِّر إختلقَته ضائقاتُ الحياة، أو إختلقه الإنسان كما تقول الفلسفات الماركسيّة وغيرها، لا وجود له إلا في دماغ الإنسان. لكن نُطمئِنُ هذه الفلسفات، أنّ الله حقيقيٌ، وأحقّ منّا نحنُ البشر حتى وإن لم نكن موجودين.

الله لا يدخل في تركيبة هذا العالم وهذه الأرض، الله كائنٌ مختلفٌ ليس من هذا العالم، مع أنّه يهتمُّ بالعالم ولا يترك أبناءَه أبدًا، فنحنُ نتركه عندما لا نعرف كيفيّة التعامل معه، كما لا يعرفُ الانسان التعامل مع شيء حسّاسٍ وإلا يجرحَه ويفقده، ويفقد ذاته. الله كائنٌ حسّاس، نازك وكتوم، ليس متراخيًا ولا يُشبه ذاك الشخص الذي يصدّق كلَّ شيءٍ يلمعُ أمامه، إنّه حسّاس وذا شعور ومشاعر إلهيّة تُشبه مشاعر الإنسان، لكن باسلوب (المقايسة). إنه أكثر من شعور وإحساس وعلاقة، إنه سرُّ العلائق والأحاسيس جميعها، إنه مبدأ الإحساس والعلاقات والعقل والقلب، هو المعنى، والحق، والحب. كيانه غير مفصول عن محبّته، الى درجة أنّه بالرغم من حبّه الدفاق؛ كيانه وحبه واحد إطلاقًا، وعندما يظهر ويعطي ويكشفُ ذاته، أو عندما يعطي رسالة موجّهًة الى البشر، فإنّه يعطيها كخلاص، رسالته رسالة خلاصيّة، إسمه خلاص، عطاءه خلاصي، وعندما يعطي الله فإنه لا يُعطي جُزءًا من كيانه، بل يُعطي كيانه عطاء فيّاضا أبديًّا، وعندما يعطي ذاته، فإنه يكشف ذاته كعلاقة، وهنا سوف نفهم معنى الثالوث.

هل وجود يسوع المسيح واقع تاريخي أم يجب أن نكتفي بالإيمان فقط؟

إن وجود يسوع هو أمر مثبت تاريخيًا. يمكن لأحد أن يشكك في “هوية” يسوع ولكن لا يمكن التشكيك في “كينونته”. بكلمات أخرى يمكنك أن تشكك بلاهوته (لأن الإيمان بلاهوت المسيح لا يتطلب فقط التمحيص العلمي والبحثي، بل عمل النعمة وطاعة الإيمان) ولكن لا يمكن لإنسان عاقل وباحث صادق أن يشكك في وجود شخص يسوع. فلنقل الأمر بشكل آخر أيضًا: يمكنك التشكيك في يسوع-الله ولكن ما من مجال للشك في يسوع-الإنسان. لماذا؟ لأن وجود يسوع التاريخي أمر مثبت من الكثير من الوثائق.