تمثّل الصلاة بالنسبة للكثيرين شكلاً من أشكال تقنيات الإستبطان، بإعتبار أنها تؤدي إلى راحة نفسية لدى المؤمن… بالنسبة لهؤلاء فإن الفوائد النفسية والروحية المستمدة منها ليست سوى حالات عصبية فزيولوجية يصل إليها المصلي في كل مرّة ينهي فيها صلاته. وهذا ما هو حاصل في تقنيات الإستبطان المختلفة[1]. فلا دخل إذن لله بأي شكل من الأشكال !

ويعتبر أصحاب هذه التقنيات الأسيوية أنها طرق سهلة وطبيعية تساعد على رفع نسبة الذكاء والصحّة من خلال تطوير الجهاز العصبي في الإنسان، وذلك بالتخلص من الضغوطات اليومية التي تقضي على النواحي المختلفة في شخصية الفرد.

لن نخوض في تحليل معمّق لإبراز الفرق بين الصلاة وتلك التقنيات القادمة من الشرق الأقصى وخصوصاً الهند، إنما سنكتفي بعرض بعض النقاط.

في الوقت الذي تعتبر فيه الصلاة توجّه للنفس صوب الخارج وتحديداً صوب الله خالقها. تقوم تقنيات الإستبطان على توجيه النفس نحو الداخل وبالتحديد صوب… وهنا لا يمكن لأحد أن يؤكد أو يجزم إلى أين !!! على الرغم من التأكيدات المختلفة في هذا المضمار. فمنهم من يقول صوب ما يعرف بـ "الوعي الصافي" وآخرون يقولون صوب "النيرفانا"[2] والتحرر من وهم الحياة المادية أو ما يُعرف بـ "المايا MAYA" إلى ما هنالك من طروحات…

وهنا يبرز لنا بشكل واضح أن الله يصبح بعيداً عن الإنسان وتصبح الأنا هي المحور. ولنا على هذا مثال رائع في الكتاب المقدس سفر التكوين وبالتحديد في رواية السقوط حيث سعى آدم وحوّاء إلى الأكل من شجرة معرفة الخير والشر وجعل نفسيهما المرجعية بإبعاد الله.

في الوقت الذي تعتبر فيه الصلاة حاجة فطرية في الإنسان، تعتبر تقنيات الإستبطان طرق وضعها الإنسان وألزم نفسه بها. ومقابل "المانترا"[3] التي يرددها المتأملون والوضعيات الجسدية المختلفة، ليس هناك من وصفات جاهزة في الصلاة، إنما الإنسان يعبّر لله عن وضعه وحاجته بكل بساطة. هناك مئات الشهادات التي لا يمكن إنكارها والتي تقدم بها الكثير من الأشخاص الذين خرجوا بإنطباعات سيئة ومشاكل عصبية ونفسية وإضطرابات روحية ناتجة عن تلك الممارسات.

إن الصلاة هي في الأساس بحث عن الله الذي بدوره ينتظرنا. بينما تقنيات الإستبطان هي إنزواء داخلي وإرتداد على الذات وإبتعاد عن العالم الخارجي الذي يصبح موضع شفقة بالنسبة للمتأمل.

لا بل هي تخلّي عن العالم الداخلي الخاص للفرد من خلال التخلي عن كل رغبة وإحساس، هي قضاء بطيء على "الأنا". والخطر الأساسي أن لا أحد يعرف أسرار النفس وخفاياها معرفة تامة وكاملة حتى يعي ما يسلكه من مسالكها الخفية. فتصبح تلك التقنيات كسقوط في منحدرات داخلية خفيّة وغامضة على الوعي. إن الذي يبحث عن الله في الصلاة سوف يجده بالتأكيد لأنه أكّد لنا بنفسه: "إن أحبّني أحد حفظ وصاياي وأبي يحبّه وإليه نأتي وعنده نجعل مقامنا"[4]. بينما الذي يهيم وحيداً في أعماق نفسه ومتاهاته الداخلية فهو يجازف مجازفة  كبرى لأنه قد يصبح سجين نفسه وهل من جحيم أقسى من هذا. إن ما يخيف بالأكثر في تلك الممارسات هو أنها تدعو الإنسان إلى الإتّكال على قواه الذاتية للخلاص والوصول إلى الله وبالتالي الألوهة. وهنا نعود مرّة أخرى لقصة آدم وحوّاء الذين سعيا إلى معرفة الخير والشر بقواهما الذاتية وبدعوة من الشيطان.

فلنفتّش اليوم عمّن هو وراء دعوتنا لممارسة تلك التأملات الشرقية!!.

الصلاة تعمل ببطء على بناء الشخصية وإصلاح الإنسان وسدّ نواقصه حتى يصبح أهلاً للإتّحاد بالله ولكن مع الحفاظ على شخصيته، بينما التقنيات تعمل على ستر النواقص مع الإبقاء عليها ووعد النفس بالذوبان في الكل، أي قضاء كامل على الشخصية والكيان…

[1] التأمل التجاوزي، اليوغا …

2 نقطة الذوبان في الكل …!!

[3] نبرة صوتية، أو كلمة معيّنة ثبت أنها واحدة من أسماء آلهة الهندوس

[4] يو 14/23

في مقابلته العامة مع المؤمنين البابا بندكتس السادس عشر: المسيح هو وسيطُ الوحي بكامِلِه وملؤُهُ في آنٍ واحد

أجرى البابا بندكتس السادس عشر صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول: يؤكد المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور العقائدي في الوحي الإلهي أن الحقيقة الخالصة التي يُطلعنا عليها الوحي” تسطعُ لنا في المسيح الذي هو وسيطُ الوحي بكامِلِه وملؤُهُ في آنٍواحد.” (عدد2). يخبرنا العهد القديم كيف أن الله، بعد الخلق، وبالرغم من الخطيئة الأصلية، وكبرياء الإنسان، منحه مجددا صداقته لاسيما من خلال العهد الذي أقامه مع إبراهيم، والمسيرة مع شعب إسرائيل الذي اختاره ليس بحسب معايير قوة أرضية، وإنما بالحب. إنه اختيار يبقى سرّا ويظهر لنا أسلوب الله الذي يدعو البعض لا ليستبعد الآخرين وإنما ليكونوا جسرا يوصِلُ إليه. وأضاف: في تاريخ شعب إسرائيل أظهر الله ذاته ودخل التاريخ مستعيناً بوسطاء كموسى والأنبياء لينقلوا للشعب مشيئته ويذكروه بالأمانة للعهد، أما بيسوع الناصري، فقد زار الله شعبه، زار البشرية بشكل يفوق كلّ انتظار: أرسل ابنه الوحيد الذي صار إنساناً. فيسوع يظهر لنا وجه الآب كما يكتب القديس يوحنا في بداية إنجيله: “الله ما رآه أحد قط، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو الذي أخبر عنه” (يوحنا 1، 18).