*

ابنتك على حق! الأفكار تتولد في ذهننا ولسنا مسؤولين عما يمر في ذهننا دون إرادتنا! يكفي أن نفكر بالتشتت، حتى في مسائل تهمنا. لا أتحدث هنا عن الصلاة بالضرورة، بل أتحدث عن التشتت في أمور تهمنا، مثل حديث مع شخص عزيز، وبالرغم من اهتمامنا بما يريد أن يقوله لنا، يحصل أن نتشتت عما يقوله رغم إرادتنا.

لهذا في هذا "الجواب عالطاير" سأتوقف على موقف الكنيسة في هذا الشأن. يتحدث تعليم الكنيسة (في مجمع ترنتو) عن "النزعة" أو "الشهوة" (concupiscentia) ويصفها بأنها "رغبة فوضوية" كامنة في طبيعتنا وهي "ميل إلى الشر". يظهر هذا الميل بين أشواقنا وميولنا حتى ولو لم نُرِد ذلك. على سبيل المثال: نريد أحيانًا أن نكون بسلام مع الآخرين وأن ننسى خطأ من أساء إلينا، ولكن رغم إرادتنا يذهب فكرنا إلى أفكار غضب أو حقد أو انتقام ما شابه ذلك. هل أرتكب خطيئة بمجرد مرور هذه المشاعر في قلبي؟

كلا! وقد يكون العكس صحيحًا! وسنرى ذلك بعد توضيح بسيط.

يشرح لنا مجمع ترنتو أن "النزعة ليست بحد ذاتها خطيئة، ولكنها تأتي من الخطيئة وتجعلنا نميل إليها". ويضع تحت حرم كنسي من يقول أن "النزعة" بحد ذاتها هي خطيئة.

وعليه، بكلام مُبسط، من يظن أن الأفكار السيئة التي تمر في رأسنا هي خطيئة لمجرد مرورها في رأسنا، لا يتبع تعليم الكنيسة!

كيف يكون العكس صحيحًا إذًا؟

المجمع عينه يعلمنا بأن من يرفض الخضوع للنزعات، لا يقع في الخطيئة وحسب بل يقوم بالجهاد الروحي ويتقدس! "فالنزعات لا تستطيع أن تؤذي من لا يخضع لها، بل يقاومها بشجاعة بنعمة يسوع المسيح. ومن يقاوم النزعات سيتكلل [بالقداسة]".

ولكن يبقى السؤال: ما هي "خطيئة الفكر"؟

خطيئة الفكر ليست الفكرة، بل الفكر الذي أعانقه وأود تحقيقه بإرادتي وكامل وعيي. وهذا القرار، حتى لو لم أتمكن من تحقيقه لأسباب خارجية، فهو خطيئة لأني اخترته وعانقته ولم يكن مجرد فكرة مرت ببالي مرور الكرام. بالعودة إلى المثل السابق الذي قدمته لابنتك: إذا قررت أن أضع موضع التحقيق فكرة الانتقام من شخص قام بأذيتي، ولكن بعد ذلك تعسر عليّ تحقيق هذه الفكرة. رغم أنني لم أفعل فعل الانتقام، إلا أنه كان قد أضحى قرارًا واعيًا وإراديًا وبالتالي هو ليس خطيئة "فعل" ولكنه "خطيئة فكر".  

آَبَاءُ مَجْمَعِ القُسْطَنْطِينِيَّةِ المَسْكُونِيِّ (٣٨١ م)

التاريخ الفاصل بين مجمع نيقية (٣٢٥ م) وبين مجمع القسطنطينية (٣٨١ م) هو مجرد فاصل صورﻱ، فعلى الرغم من أن المجمع الثاني مستقل عن الأول تمامًا؛ إلا أنه استكمل وتابع ما تم بدايته في نيقية، وكأن تاريخهما وإطارهما التاريخي ومسيرتهما اللاهوتية واحدة، للوصول إلى الحفاظ على وحدة الإيمان؛ وتدوينه في مرجعية مشروحة مفصلة؛ تتلافى الاختلافات والافتراقات العلنية واللاتسامح وافتراءات فساد البدع.