(ب)

ثالثا : قضيّة الإيمان

رأينا في الحلقة الخامسة (أ) قضيّة اللغة والمصطلحات والتعابير ، وكيف أنّ ما يُفقَد ليس (المعنى الكامن) ، بل التعابير من السياق اللاهوتيّ والعقائديّ . وأن المشكلة كانت ، في القرنين الرابع والخامس ، هي مشكلة تعابير ومفاهيم ومصطلحات ، الجوهرُ باق . ورأينا كيف أنّ نسطوريوس ، مشكلتهِ كانت ، في أن لا يمكنُ لله – الكلمة أن يضطلعَ في  الإنسان – يسوع ، ويتألم ويموت ... ! ولقد فهِمَ نسطوريوس بإنّ " الألوهيّة المجرّدة " هي التي تتغيّر وتتأثّر ، وهذا سوءُ فهم كبير منه .. من يريدُ الإستزادة في الموضوع ، فليراجع الحلقة الخامسة (أ).

سنرى الآن هنا ، قضيّة أخرى ألا وهو : قضيّة الإيمان

كانت تعاليم نسطوريوس وإيمانه أيضا ، مهدّدان للإيمان القويم . إذ كانَ يرفضُ أنّ ما حدثَ ليسوع في إنسانيّته ، يقالُ عن " الكلمة " ، وأنّ ما حدثَ ليسوع يخصّ الكلمة ، وأن يكون " الكلمة " هو الفاعلُ ، وأن تكون مريم " أم الله " Theotokos  " .

في نهاية الأمر ، كان نسطوريوس يؤمنُ بفاعلين في يسوع المسيح ، وبشخصين فيه : هناكَ الله – الكلمة من جهة ، ويسوع أو المسيح ، من جهةٍ أخرى. إنه يقسمُ هكذا يسوع المسيح الكلمة المتجسّد إلى فاعلين .. وكلّ فاعل مستقلٌّ عن الآخر . وهذا الإنقسام يعود ، إلى " عثار التجسّد " كما رأينا سابقا . ذلكَ بإنّ التجسّد وما يترتّب عليه من أفعال إنسانيّة طبيعيّة : الولادة ، الرضاعة ، الختان ، النموّ ، العرق ، الجوع ، العطش ، الخوف في أثناء الآلام ، الإستغاثة بالملائكة . كلّ ذلكَ جعلَ نسطوريوس يرفض أنه يخصّ الله  الكلمة ، بل قال: إنه يخصّ يسوع الإنسان فقط .

إذن ، نسطوريوس لم يستخدم ، للدلالةِ على كيفيّة العلاقة بين الألوهيّة والإنسانيّة ، لفظ ( التخصيص : Appropriation  - أي أنّ ما يخصّ يسوع الإنسان ، يخصّ يسوع الإله أيضا . بل إستخدمَ لفظ (إقتران) باليونانيّة  Sunapheia – أي جمع عنصرين عينيّين مستقلّين الواحد عن الآخر . فالخطاب اللاهوتيّ النسطوريّ ، يهدّد إذن ، وحدة شخص يسوع المسيح الكلمة المتجسّد ، هذا من جهة . وممن جهةٍ أخرى  ، يرفض هذا الخطاب الملحمة الإلهيّة المتمثّلة بإن " الكلمة صارَ جسدًا " لِما فيها من " عثار " المظهريّة التي ترفضُ واقع التجسّد ، لا إنه رفضَ إنسانيّة يسوع المسيح كما رفضته المظهريّة ، بل رفضَ فقط " تأنسُن الكلمة " – Humanisation  ، لم يصبح الكلمة بشرًا ، ولم تطرأ عليه عمليّة " التأنسُن " بل الكلمةُ ، وهو كائنٌ مستقلٌّ ، قائمٌ على ذاتهِ ؛ يكونُ داخل إنسان – يسوع ، شخصٌ مستقلٌّ ، قائمٌ على ذاته . في نهاية الأمر ، يكمنُ التجسّد في أنّ يكونَ هناكَ واحدٌ داخلَ واحد ، أي إثنان لا واحد ، ويقولُ : إنّ الكلمة إضطلعَ بالإنسان يسوع ، وليسَ هو واحدٌ مع الإنسان . ونتيجة لرفض نسطوريوس التجسّد لإنه عثارٌ ، فليس " الكلمة " وسيطا بين الله والإنسان ، لإنّ " ألكلمة " لم يتّحد بالإنسان حقا ، ولم يمسّ التجسّد والصلب والموت ، الكلمة حقّا . في نهاية الأمر ، الكلمةُ مختلفٌ عن " الإنسان – يسوع " . هذا ما يقوله نسطوريوس في إيمانه المضادّ لإيمان الكنيسة الجامع القويم .

سنرى في (ج) أخيرًا ، كختام للحلقة الخامسة ، الردّ السليم من مجمع أفسس ، وهو ردّ الإيمان في ثلاثةِ نقاط وهي :  إتحاد الكلمة / يسوع . كلام يسوع نفسه . الإعلان الأوّل عن يسوع المسيح

أبقوا معنا .

كيف يكون المسيح الهًا وقد جاء فى الكتاب المقدس فى لوقا 22/43 ان المسيح ظهر له ملاك من السماء يقويه؟

طرح علينا هذا السؤال أحد الإخوة بلطف مؤثر وحضاري، واغتنمت أول فرصة من الوقت شبه الحر ظهر اليوم لكي أجيب على السؤال ولو باقتضاب، لا بغية إغوائه، بل عرضًا بسيطًا وأوليًا لكيف نفهم نحن المسيحيون هذا الأمر. السؤال جميل وذكي ولكي يُفهم الجواب لا بد من معرفة أمور كثيرة من الإيمان المسيحي، الأمر الذي قد يجعل الاختصار اللازم غير مجدٍ.