بقلم الأب هاني باخوم
بيروت، الخميس 7 يناير 2010 (Zenit.org). - الله يتراءى مجدّداً لابراهيم، كما رأينا في المرّة السّابقة، ويكلّمه من جديد، فالكلام علامة حبٍّ. الله يحبّ ابراهيم فعلاً، يظهر هذا في كلّ احداث حياته؛ عندما نزل الى مصر وترك امراته لفرعون، الله تراءى له ورحمه وأنقذه من خطيئته. كذلك فعل عندما أخذ هاجر كأمّ لابنه، أعاده إلى الطّريق، إلى الوعد. محبّة الله تظهر، لابراهيم ولكلّ انسان، في المغفرة، والتي ليست فقط مسح للخطيئة ونسيانها، بل شيء اعمق واجمل بكثير، هي ان يرى الانسان انّ الرّبّ قادر ان يحول تلك الخطيئة، ويستخرج منها خيراً اعظم من الشّرّ الذي جلبته. تبقى نتائج وتوابع الخطيئة، تبقى الجروح وآلامها، الّتي لا مفرّ منها، إنّه قانون الطّبيعة. لكن الأعظم، ان الله يحطمها من داخلها يكسر شوكتها، ينزع سلطانها، ويستخرج منها الخير. هذا هو الخبر المفرح، والذي هو عثرة لليهود، وحماقة لليونانيين كما يقول القديس بولس ( اقور 1: 20 – 23).
موت المسيح، والذي هو اعلان لكِبَر خطيئتي وخطيئتك، اكبر شرّ، موت البرىء، موت البار، موت ابن الله. هذا الشّرّ والذي لا يقارنه اي شرّ اخر، الرّبّ استخرج منه خلاصاً ابدياً لكلّ من يؤمن به. لدرجة ان القديس أغسطينوس يقول "معصية سعيدة، لانها استحقت مخلصاً عظيماً كهذا" .وكأنّ به يشكر المعصية لانّها جعلتنا نرى المسيح المتجسد. تلك هي الرّحمة، تلك هي المغفرة الحقّة، قدرة تنزع شوكة الشّرّ وتحوله إلى خيرٍ، خير اعظم، حتّى وان بقيت توابع تلك الخطيئة.
تلك الرّحمة والمغفرة تجعل من "ابرام" "ابراهيم"، وتحوله من شخص عادي، كلّ ما يأمل به ابن يرثه، إلى شخص يتحقق به خلاص من اجل الشّعوب، تجعل منه اباً ليس فقط لابن وحيد، بل لأمم ستُبَاركَ بسببه. هذا التّحول من ابرام لابراهيم، ليس بفضل قوته الذّاتيه، وحسن اخلاقه وتربيته الحسنة، بل بسبب اختيار الله له واختباره لرحمته.
تلك الرّحمة تجعل منه شفيعاً!! نعم شفيعاً للخاطئين، لمن هو محتاج إلى رؤية تلك الرّحمة وخطيئته تمنعه من رؤيتها. ابراهيم يصبح شفيعاً، بدون ان يطلب منه احد ذلك، بدون ان يطلب الخاطئون منه ذلك، لكن فيض الرّحمة التي اختبرها وجمالها تحثه وتدفعه كي يجعلها تصل لمن لم يختبرها بعد. كيف؟ ماذا حدث؟
يقول الرّبّ "إن الصّراخ على سدوم وعمورة قد اشتد وخطيئتهم قد ثقلت جداً". (تك 18: 20). سدوم وعمورة، مدنيتان امتلاْتا بالخطيئة، لدرجة ان الصّراخ عليهما اشتدّ، وهو تعبير يوضح ان توابع تلك الخطايا ازدادت وازدادت. كثيرون يتألمون بسببهما ويصرخون ضدهما. فيقرّر الرّبّ ان يوقف طوفان ذلك الشّرّ، ان يضع حداً له: يهلك المدينتين. وهنا يتقدم إبراهيم ويقول للرّبّ:"احقاً تهلك البارّ مع الشّرير؟ لعله يوجد خمسون باراً في المدينة، احقاً تهلكها ولا تصفح عنها من اجل الخمسين باراً الذي فيها؟ حاش لك ان تصنع مثل هذا ويموت البار مع الشّرير. حاش لك!!" (تك 18: 23 ت) وهكذا يستمر ابراهيم الى ان يصل بالرّقم الى عشرة ابرار كي يخلص المدينة.
نعم ابراهيم يصبح شفيعاً. هو اختبر رحمة الله ويرغب ان تصل تلك الرّحمة للآخرين. تلك هي رغبة ابراهيم، وهي بالاحرى رغبة الله. فماذا يريد الله الا ان يتوب الخاطىء ويرجع عن طريقه فيحيا؟ الشّفيع اذاً هو الذي يدخل في مشيئة الله ويرغب في نفس المشيئة ويطلبها ويتضرع من اجلها. فيعطي صوته لتلك المشيئة كي تتجسد، يعطي كيانه لتلك المشيئة كي تظهر الآن وفي هذا المكان ( انظر تعليم الكنيسة الكاثوليكية 2635). تلك هي الشّفاعة وتلك هي ايضاً الصّلاة العميقة. فالمسيح يقول "يا ابت، إن امكن الامر، فلتبتعد عني هذه الكأس، ولكن لا كما انا أشاء، بل كما انت تشاء!" (مت 26: 39).
الصّلاة للذّات او للآخرين، اي الشّفاعة، لا تعني محاولة تغيير قرار الله ومشروعه، بل هي تقديم ما نرغب به الى الله، مصطحبة بالرّغبة الاعمق لتتميم ما يرغبه الله، لأنّه هو الذي يعرف في العمق ما يحتاج اليه الانسان. الشّفاعة هي بالفعل "أسمى خدمة لقصد الله" (تعليم الكنيسة الكاثوليكية 2683).
ابراهيم يتشفع للمدينة، يطلب النّجاة لها، لانّه يعرف ان هذه هي رغبة الله.
لكن هل تنتهي قصة ابراهيم بانه اصبح شفيعاً؟ لا تلك البداية. ابراهيم ينتظر الوعد، ينتظر ان يرى يوم الخلاص........للمرة القادمة.
بيروت، الخميس 7 يناير 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي البيان الذي صدر عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان عقب لقائهم بسيادة الأسقف جيرالد كيكاناس.
* * *
عقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان اجتماعًا مع سيادة المطران جيرالد كيكاناس، راعي أبرشية تكسون ونائب رئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة الأميركية، الذي يقوم حاليًا بزيارة إلى لبنان، وذلك عند الساعة العاشرة من قبل ظهر يوم الخميس في 7/1/2010، في المقر البطريركي في بكركي.
افتتح صاحب الغبطة والنيافة، الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، رئيس المجلس، الاجتماع بصلاة. ثم القى كلمة رحب فيها بسيادة المطران الضيف ومرافقيه، وشكر من خلاله مجلس الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة الأميركية على الاهتمام الذي اولاه ويوليه لكنيسة لبنان وشعبه، خصوصًا خلال سنوات الحرب اللبنانية. وثمّن زيارته إلى لبنان وما تحمله من دعم كنيسة الولايات المتحدة لكنيسة لبنان، واعرب له عن تقدير المجلس للروابط الاخوية التي تجمع الكنيستين. كما نقل إليه تجاوب المجلس مع رغبته في الاطلاع على التحديات التي تواجه كنيسة لبنان وشعبه، وعقد هذا اللقاء، ليتمكن من تكوين صورة واضحة عنها ونقلها إلى الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة.
ثم تحدث سيادة المطران رولان أبوجودة رئيس هيئة المجلس التنفيذية عن التحديات التي تواجه المسيحيين في لبنان، وهي على نوعين: تحديات داخلية واهمها مخلّفات الحرب، من تهجير وهجرة، وحضور اللاجئين الفلسطنيين والسلاح المنتشر داخل مخيماتهم وخارجها، وترسانة السلاح الخاصة بحزب الله، والتقلّص الديمغرافي، والمسألة التربوية في مجتمع غير مستقر اقتصاديًا وسياسيًا، ومتعدد الديانات، والانقسامات داخل الصف المسيحي، وخفوت قوة المسيحيين السياسية والاقتصادية وحضورهم الضعيف في الحقل العام.
وتحديات خارجية واهمها تملك الاجانب، وتوسع تملك غير المسيحيين، وظهور تيارات اصولية اسلامية، وعدم الاستقرار في المنطقة وما يسببه من هجرة، وضعف الكنائس الشرقية بسبب عدم امتداد سلطتها على قسم كبير من ابنائها الموجودين في الانتشار، وسياسات الدول الغريبة التي لا تهتم لمصير المسيحيين بل تسعى وراء مصالحها في المنطقة.
ثم تابع سيادته الكلام فتطرق إلى مبادرات الكنيسة لمواجهة هذه التحديات، وفي مقدمها ضرورة الشهادة المسيحية التي تمارسها الكنيسة بحرية وثبات، حصوصًا من خلال مؤسساتها التي تخدم الانسان والمجتمع دون تفرقة في ميدان التعليم والاستشفاء والعمل الخيري. كما تقوم الكنيسة بمشاريع سكنية واجتماعية من خلال المؤسسة الاجتماعية المارونية وصندوق التعاضد وبعد حرب تموز 2006 نسّقت اعمال جمعيات التطوع في منطقة الجنوب. وفي المجال التربوي، تسعى الكنيسة من خلال المدارس الكاثوليكية واللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الاسلامي، إلى تعزيز ثقافة الانفتاح والحوار وتقبل الآخر لدى الشبيبة الطالعة، وابناء المجتمع، وإلى ترسيخ حوار الحياة دعمًا للانتماء الواحد للبنان الرسالة. وتعمل الكنيسة الكاثوليكية في لبنان بروح مسكونية من خلال حضورها في مجلس كنائس الشرق الأوسط ومن خلال عمل اللجنة الأسقفية للعلاقات المسكونية. وفي مجال العمل الاجتماعي والسياسي تشدّد الكنيسة في تعليمها وفي مبادراتها العملية على العمل من اجل الخير العام والترفع عن المنافع الخاصة، خدمة للعدالة الاجتماعية والسلام بين الناس ولبناء مستقبل افضل للاجيال الطالعة. وفي سبيل ذلك، تسعى خصوصًا إلى الحفاظ على وحدة المسيحيين وتوحيد نظرتهم إلى العمل السياسي، وقد وضعت لذلك “شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان”. وفي مجال نشركلمة الله وتعليم الكنيسة، تشجع الكنيسة في لبنان الاعلام المسيحي، من خلال عمل اللجنة الأسقفية لوسائل الاعلام، وخصوصًا ما يقوم به تلفزيون تيلي لوميار ونورسات واذاعة صوت المحبة. وانهى سيادته الكلام آملاً ان تبقى الكنيسة حاضرة لمواجهة التحديات المتزايدة في الوطن والمنطقة، بمساعدة ومؤازرة الكنيسة الجامعة.
بعد ذلك، أخذ نيافة رئيس المجلس الكلام مجدّدًا فقال إن الكنيسة في لبنان تدرك أن رسالتها كانت وما تزال حمل الصليب واتباع المسيح، وذلك منذ الفي سنة وحتى اليوم في قلب الضيقات والاضطهادات. وهي ستستمرّ في ذلك دون تردّد ويأس، متّكلة على عناية الله الأبويّة وحماية العذراء وشفاعة القدّيسين الذين من مثلهم نأخذ الشجاعة والجهاد. ولا ننسى أصدقاءنا الطيبين في المنيسة الكاثوليكيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ان كنائسنا في لبنان تجاهد بصلاتها وعملها في مواجهة الصعوبات “لعلمها ان الشدّة تلد الثبات والثبات يلد فضيلة الاختبار، والاختبار يلد الرجاء، والرجاء لا يخيّب صاحبه”.(روم 5/3-5).
الخوراسقف وهيب الخواجه