الفاتيكان، الاثنين 11 يناير 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 10 يناير 2010.

* * *

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

هذا الصباح، خلال القداس الإلهي الذي تم الاحتفال به في الكابيلا سيستينا، منحت سر المعمودية لبعض الأطفال. هذه العادة ترتبط بعيد معمودية الرب الذي نختتم به زمن الميلاد الليتورجي. تقدم لنا المعمودية المعنى العام للأعياد الميلادية، التي يشكل فيها عنصرًا محوريًا موضوع الصيرورة أبناءً لله بفضل مجيء الابن الوحيد في بشريتنا.  لقد صار الله إنسانًا لكي نستطيع أن نضحي أبناء الله. ولد الله لكي نستطيع نحن أن نولد من جديد.

تتوارد هذه المفاهيم باستمرار في النصوص الليتورجية الميلادية وتشكل موضع تأمل ورجاء مثير. نفكر بما يكتبه بولس إلى أهل غلاطية: "أرسل الله ابنه الوحيد، مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الشريعة، لكي يعتق الذين تحت الشريعة، حتى ننال التبني" (غلا 4، 4 – 5)؛ أو القديس يوحنا في مقدمة إنجيله: "للذين قبلوه أعطى السلطان أن يضحوا أبناء الله" (يو 1، 12). هذا السر العظيم الذي هو "ولادتنا الثانية" – ولادتنا من الأعلى، من الله (راجع يو 3، 1 – 8)  - ويتحقق ويُلخص في علامة سر المعمودية.

مع هذا السر يضحي الإنسان ابنًا حقًا، ابن الله. منذ ذلك الحين يضحي هدف وجوده الوصول بشكل حر وواعٍ إلى ما هو غاية الإنسان منذ البدء. "صرّ ما أنت عليه" هو المبدأ التثقيفي للشخص البشري المفدي بالنعمة. هناك تشابيه كثيرة لهذا المبدأ في النمو البشري، حيث تمر العلاقة بين الأهل والأبناء من خلال الانفصال والأزمات، من الاتكال الكلي وصولاً إلى وعي البنوة، من الاعتراف بهبة الحياة وحتى النضج وقدرة تقديم الحياة. من خلال ولادته بالمعمودية إلى حياة جديدة، يبدأ المسيحي أيضًا مسيرة نمو في الإيمان تحمله إلى استدعاء الله بوعي كـ "أبّا – أيها الآب"، والتوجه إليه بعرفان وعيش فرح البنوة.

ينبع من المعمودية أيضًا نموذج مجتمع: مجتمع أخوّة. لا يمكن قيام الأخوّة من خلال إيديولوجية، ولا من خلال قرار سلطان معيّن. يعترف الناس بأخوتهم انطلاقًا من الوعي المتواضع لكونهم أبناء الآب السماوي. كمسيحيين، بفضل الروح القدس الذي يناله المؤمنون في العماد، ننال هبة والتزام العيش كأبناء الله وكإخوة، لكي يكونوا "خميرة" بشرية جديدة، متعاضدة وغنية بالسلام والرجاء.

يساعدنا في عيش هذه الهبة الوعي بأن لنا، إضافة إلى الآب السماوي، أم، هي الكنيسة، والتي تشكل العذراء مريم مثالها الأبدي. نوكل إليها الأطفال الذين نالوا العماد وعائلاتهم، ونطلب من أجل الجميع فرح الولادة من جديد كل يوم "من العلاء"، من حب الله الذي يجعلنا أبناء وإخوة في ما بيننا.

* * *

نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2010.