حياة الكاهن الروحية

الصلوات الطقسية (1)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم رئيس الأساقفة عصام يوحنا درويش*

استراليا، الاثنين 11 يناير 2010 (Zenit.org). – تسنى لي خلال دراستي  ووجودي في الاكليريكية أن أتعرف إلى كهنة كثيرين تجندوا لنشر كلمة الله بمثلهم وكلامهم وبذلوا حياتهم بسخاء مميز وفرح كبير في خدمتهم الرعوية وحياتهم الكهنوتية. عرفت أيضا كهنة كانوا يواظبون بدقة على الصلوات الطقسية وبعضهم يقضي ساعات طويلة في الكنيسة أمام القربان المقدس فتعلمت منهم أن الصلاة وبخاصة الليتورجية منها تسند ضعفي البشري وتوصلني إلى عمق الله وعمق ذاتي وأن أجمل صلاة هي التي تجعلني أنفتح على حاجات الآخرين وعلى التضامن معهم في أفراحهم وأحزانهم. هؤلاء الكهنة كانوا مثلا لي ولغيري في مسيرتنا الكهنوتية فقد علمونا أن روحانية الكاهن تبدأ بالصلاة الليتورجية وتنتهي بها.

يوصينا بولس الرسول أن نصلي بلا انقطاع “صَلّوا ولا تَمَلُّوا، احمدوا اللهَ على كُلِّ حال” (1تس 5/17) أما الكنيسة فتقدم لنا على مدار السنة دورة ليترجية كاملة لتتحول صلواتنا إلى منهج حياة فنترافق مع زمن الخلاص لأن المسيح يدخل زماننا من خلال هذه الصلوات “لما حان ملx الزمان ارسل الله…” إن الكنيسة تعلن باستمرار، من خلال الصلوات التي وضعها آباؤنا القديسون والتي يرفعها الكاهن والمؤمنون والمؤمنات، أن المسيح تجسد وصار بشرا مثلنا ليخلصنا، وهي لا تكف عن تذكير العالم بميلاد المسيح ورسالته وصلبه وموته وقيامته وبأن البشرية حصلت على الخلاص بيسوع المسيح.

إن ترتيب الصلوات الليترجية وأعياد السيد والسيدة والقديسين والشهداء تساعد الكاهن في توجيه ضميره وحياته إلى القداسة فهو التزم برسامته الاحتفال بهذه الصلوات، بدءا من القداس الإلهي اليومي إلى صلاة الغروب والنوم وصلوات الصباح والساعات، فعندما يصلي الكاهن هذه الصلوات يجد ذاته مغمورا بكلام الله وعندما يصليها مع أخوته الكهنة يدرك أنه ينتمي إلى جماعة مسيحية واحدة يعيش أفرادها برباط الوحدة في جسد يسوع المسيح السري أي الكنيسة.

سمعت مرارا بعض الكهنة يرددون أن هذه الصلوات وضعت فقط للحياة الرهبانية ولا دخل لنا فيها نحن الكهنة الأبرشيين، وكنت دوما أجيبهم بأن ما يقولونه صحيح فقد بدأ الرهبان تلاوة هذه الصلوات وإنشادها إلا أن الكنيسة أقرت تدريجا استعمالها للكاهن لفائدتها في تنشيط حياته الروحية ولأنها تجعله يعيش أسرار المسيح التي تحوّله بالروح القدس تحويلا جذريا  وتجعل منه مسيحا آخر، فمن خلال النصوص والقراءات والابتهالات يتعرف الكاهن على سير الآباء القديسين، يتمثل بهم ويولد باستمرار ليبقى إلى جانب المسيح “ويمارس بسخاء المحبة الرعوية، مُكثّفا شركته مع الجميع، وبالدرجة الأولى مع الكهنة الآخرين” (دليل في خدمة الكهنة وحياتهم، مجمع الإكليروس 1994 فقرة 37) إذن الكاهن ملزم بها لأنها مع صلاته الفردية وتأملاته اليومية “تساهم في إخصاب خدمته الكهنوتية” (المرجع ذاته فقرة39) وتعميق حياته الروحية لأنه من حق رعيته عليه أن يكون رجل الله، يحمل يسوع في حياته ويحمله لهم ويقودهم ليدحرجوا معا الحجر فيعاينوا مجد قيامة المسيح، ومن حقهم عليه أيضا أن يكون مستودعا مقدسا لكلمة الله يوزع عليهم جسد يسوع ودمه المقدسين.

سمعت أيضا بعضهم يقول بأن كل ما أفعله في حياتي هو صلاة، زيارتي الرعوية صلاة، وعيادتي المرضى صلاة، ومرافقتي المسنين صلاة، وعملي مع الشباب صلاة… فعلى الرغم من أن هذا القول يحمل خطرا كبيرا لكنه صحيح إلى حد كبير لأن كل ما نفعله يكون لمجد الله “فإذا أكلتم أو شربتم أو مهما فَعلتُم، فافعَلوا كُلَّ شَيء لمجدِ الله” (1 أفس 10/31). إن الصلاة تفترض مني أن أتفرّد بيسوع المسيح وأختلي به وأتحدث إليه وأسرُّ إليه بما يخالج قلبي من عواطف وحاجات ثم أضع ذاتي بين يديه وأستسلم إلى إرادته بثقة الابن لأبيه فأتمكن من أن أناديه أبي “أرسل الله رُوحَ ابنه إله قُلوبنا، الروحُ الذي ينادي: يا أبَتا” (غلا 4/6)

إن صلاة الكنيسة الثابتة تشمل عددا من المزامير والطروباريات والابتهالات وتراتيل أخرى، يصليها الكاهن في الكنيسة وحده أو مع الآخرين في شركة روحية معهم كما يقول القديس بولس “وليكُنْ حديثُكم تِلاوةَ مّزاميرَ وتَسابيحَ وأناشيدَ روحانيَّة. رتّلوا وسَبِّحوا للرب” (أفس 5/19) هذه  الصلوات الليترجية المشتركة تسمح للكهنة بأن يتعاطفوا معا ويتضامنوا ليؤلفوا جسد المسيح السري ومن ثم تمكنهم من أن يمتلئوا معا من الروح القدس فيختبرون، كلٌ بمقدار ما يعطيه الله من نِعَم، شعورا بدفء روحي يرفعهم إلى الله.

إن الصلة بين حياة الكاهن الروحية والصلوات التي جمعتها الكنيسة على مر الزمن من الآباء القديسين والموجودة في كتب الصلوات الطقسية، عميقة جدا، فإذا أراد الكاهن أن يُنمي حياته الروحية عليه أن يحافظ على تلاوة صلواته اليومية لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بخدمته الكهنوتية ولأنها تحوي “كنز الكنيسة الروحي” (أعطيكم رعاة للبابا يوحنا بولس الثاني 26) ، إنها حقا عصارة فكر الآباء وعمق روحانيتهم وجلال قداستهم. الكاهن بمواظبته عليها يلتمس باسم الكنيسة الشفاعة لشعب الله وبخاصة أبناء وبنات رعيته، وبالوقت عينه يصلي من أجل الكنيسة لتكون دوما شاهدة ومقدسة وخادمة ومعلمة. والكاهن الذي يعي هويته الكهنوتية سيحافظ حتما وبدقة على هذه الصلوات من أجل قداسة شعب الله ومن أجل قداسته الشخصية وقداسته كل يوم من أيام حياته.

أخوتي الكهنة

هذه السنة التي أعلنها قداسة البابا بندكتوس السادس
عشر، سنة الكاهن، مناسبة مقدسة لنا جميعا، لنغرف من تراث كنيستنا ما وصلنا من الآباء القديسين، ولنعرف أننا بتلاوتنا الصلوات الطقسية، التي وضعتها الكنيسة، نمثل شعب الله ونصعد بالنيابة عنهم ابتهالاتنا إلى الله ليشفق على بشريتنا ويمنح عالمنا المغفرة والرحمة والسلام.

* راعي أبرشية الكنيسة الملكية الكاثوليكية في أستراليا ونيوزيلندا

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير