عظة البابا عند منح سر العماد لـ 14 مولوداً جديداً

في كابيلا السيستينا، في عيد معمودية الرب

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

حاضرة الفاتيكان، الاثنين 11 يناير 2010 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي العظة التي تلاها البارحة بندكتس السادس عشر في عيد معمودية الرب خلال الاحتفال الافخارستي الذي ترأسه في كابيلا السيستينا التي عمد فيها 14 مولوداً جديداً.

***

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

في عيد معمودية الرب، يسرني في هذا العام أيضاً أن أمنح سر العماد لبعض المواليد الجدد الذين قدمهم أهلهم إلى الكنيسة. أهلاً وسهلاً بكم أيها الآباء والأمهات، والعرابون والعرابات، والأصدقاء والأنسباء الأعزاء المجتمعون حول هؤلاء الأطفال. نشكر الله الذي يدعو اليوم هؤلاء الفتيات السبع والصبيان السبعة إلى أن يكونوا أبناءه في المسيح. ونحيطهم بالصلاة والمحبة، ونرحب بهم بسرور في الجماعة المسيحية التي تصبح منذ الآن عائلتهم.

مع عيد معمودية يسوع، تتواصل سلسلة ظهورات الرب التي بدأت في عيد الميلاد مع ولادة الكلمة المتجسد الذي تأملته مريم مع يوسف والرعاة في تواضع المذود في بيت لحم، السلسلة التي انطوت على مرحلة مهمة في عيد الظهور الإلهي عندما تجلى المسيح لكافة الشعوب من خلال المجوس. يتجلى يسوع اليوم على ضفاف نهر الأردن ليوحنا وشعب إسرائيل. إنها المناسبة الأولى التي يتواجد فيها كرجل ناضج على الساحة العامة بعد مغادرة الناصرة. في مشهد مميز، نجده مع يوحنا المعمدان الذي تأتي إليه أعداد كبيرة. وفي المقطع الإنجيلي الذي تلي على مسامعنا قبل قليل، يلاحظ القديس لوقا أولاً أن الشعب كان “منتظراً” (3، 15). هكذا يشير إلى انتظار إسرائيل، ويرى في الأشخاص الذين تركوا منازلهم والتزاماتهم اليومية رغبة عميقة في عالم مختلف وكلمات جديدة يجدونها في كلمات يوحنا المعمدان الصارمة والملزِمة، وإنما المفعمة بالرجاء. إنها معمودية التوبة، الرمز الذي يدعو إلى الاهتداء وتغيير الحياة، ويقرّب ممن “سيعمد بالروح القدس، وبالنار” (3، 16). ففي الواقع أنه من غير الممكن التطلع إلى عالم جديد، فيما نحن منغمسون في الأنانية والعادات المرتبطة بالخطيئة. حتى يسوع ترك منزله وأعماله اليومية للذهاب إلى نهر الأردن. هو يأتي وسط الحشود التي تصغي إلى يوحنا المعمدان، ويقف في الصف كالآخرين منتظراً أن ينال سر العماد. عند رؤيته، يشعر يوحنا أن في هذا الرجل شيئاً فريداً، ذلك السر الذي كان ينتظره والذي كرس له حياته. يفهم أنه واقف أمام شخص أقدر منه، شخص لا يستحق حتى أن يحل رباط حذائه.

في نهر الأردن، يظهر يسوع في تواضع استثنائي يذكّر بفقر وبساطة الطفل الموضوع في المذود، وينبئ بالمشاعر التي سيتوصل من خلالها في آخر أيامه على الأرض إلى غسل أقدام تلاميذه، ومكابدة مهانة الصليب. إن ابن الله المجرد من الخطيئة ينضم إلى الخاطئين ويُظهر قُرب الله من درب اهتداء الإنسان. يسوع يحمل على منكبيه ثقل ذنوب البشرية جمعاء، ويبدأ مهمته واضعاً نفسه مكاننا، مكان الخاطئين، على الصليب.

بعد العماد، يصعد من الماء ويصلي، وإذا السماوات تنفتح. هذا هو الوقت المنتظر لدى العديد من الأنبياء منهم أشعيا الذي قال: “ليتك تشق السماوات وتنزل” (63، 19). في هذا الوقت، تستجاب هذه الصلاة حسبما يقترح القديس لوقا. فقد “انفتحت السماء، وهبط عليه الروح القدس” (3: 21، 22)، وسمعت كلمات لم تُسمع من قبل: “أنت ابني الحبيب الذي به سررت! (الآية 22). عند صعوده من الماء، وحسبما يقول القديس غريغوريوس النزينزي، “رأى كيف انشقت السماوات وانفتحت، تلك السماوات التي كان آدم قد أغلقها أمامه وأمام نسله أجمع” (الكلمة 39 في معمودية الرب، ص. 36). ينحدر الآب والابن والروح القدس بين البشر لإظهار المحبة المخلصة لنا. إن كان الملائكة قد حملوا للرعاة بشارة ولادة المخلص، وإن كان النجم قد هدى مجوس الشرق، فإن صوت الآب نفسه هو الذي يرشد البشر اليوم إلى حضور ابنه في العالم، ويدعو إلى الرجاء في القيامة وانتصار المسيح على الخطيئة والموت.

إن البشرى السارة في الإنجيل هي صدى هذا الصوت المنحدر من السماء. لذلك، وكما سمعنا في القراءة الثانية، فإن بولس يكتب إلى تيطس ما يلي: “فإن نعمة الله التي تحمل معها الخلاص لجميع الناس، قد ظهرت” (2، 11). يشكل الإنجيل لنا نعمة تعطي فرحاً ومعنىً للحياة. ويضيف الرسول بولس أن هذا “ما يعلمنا أن نقطع علاقتنا بالإباحية والشهوات العالمية، وأن نحيا في العصر الحاضر حياة التعقل والبر والتقوى (الآية 12)؛ أي أنه يرشدنا إلى حياة أكثر سعادة وجمالاً وتضامناً، حياة وفقاً لله. يمكننا القول أن السماوات تنفتح اليوم أيضاً لهؤلاء الأطفال. فهم ينالون نعمة العماد ويسكن الروح القدس فيهم كسكناه في هيكل فيبدل قلوبهم. منذ الآن، سيدعوهم صوت الرب هم أيضاً ليكونوا أبناءه في المسيح، ويمنحهم في عائلته أي في الكنيسة هبة الإيمان السامية. هذه الهبة التي لا يمكن أن يفهموها الآن بالكامل ستوضع في قلوبهم كبذرة مفعمة بالحياة يرجى أن تنمو وتعطي ثماراً. إنهم يتعمدون اليوم في إيمان الكنيسة الذي يجاهر به الوالدان والعرابون والعرابات والمسيحيون الحاضرون الذين سيرافقونهم في اتباع المسيح. يذكّر طقس العماد بالإيمان منذ البداية عندما يذكّر المحتفل الأهل بأنهم يلتزمون بـ “تربية أبنائهم في الإيمان” عندما يطلبون منحهم سر العماد. هذه المهمة مطلوبة أكثر من الوالدين والعرابين في القسم الثالث من الاحتفال الذي يبدأ بتوجيه الكلمات التالية: “توكل إليكم مهمة تربيتهم في الإيمان لكيما تكون الحياة الإلهية التي ينالونها كهبة، بعيدة عن الخ
طيئة فتنمو كل يوم. إن كنتم مستعدين بموجب إيمانكم للقيام بهذا الالتزام…، جاهروا بإيمانكم في يسوع المسيح. ففي إيمان الكنيسة يتعمد أبناؤكم”. تفترض كلمات الطقس أن تمثل المجاهرة بالإيمان إلى جانب رفض الخطيئة من قبل الوالدين والعرابين والعرابات، المقدمة الضرورية في عملية منح الكنيسة سر العماد لأبنائهم.

قبل سكب الماء على رأس المولود الجديد، تبرز إشارة أخرى إلى الإيمان. يوجه المحتفل سؤالاً أخيراً: “هل تريدون أن ينال هذا الطفل سر العماد في إيمان الكنيسة الذي جاهرنا به جميعاً؟”. ويمنح السر فقط بعد الرد الإيجابي على هذا السؤال. وفي الطقوس التفسيرية أيضاً – الدهن بالميرون، تسليم الثوب الأبيض والشمعة المضاءة، بادرة طقس العماد – يمثل الإيمان الشعار الرئيسي. وتقول الجملة المرافقة لتسليم الشمعة: “احرصوا على أن يعيش أطفالكم دوماً كأبناء النور؛ ويخرجوا للقاء الرب الآتي بالمواظبة على الإيمان”. ويتابع المحتفل القول في طقس العماد: “فليمنحكم الرب يسوع نعمة الإصغاء لكلمته، والمجاهرة بإيمانه، لتسبيح الله الآب وتمجيده”. بعد ذلك، يختتم الطقس بالتبريك الذي يذكّر مجدداً الأهل بالتزامهم بأن يكونوا لأبنائهم “شهود الإيمان الأوائل”.

أيها الأصدقاء الأعزاء: إنه يوم عظيم لهؤلاء الأطفال. بالعماد، وبالمشاركة في موت المسيح وقيامته، يبدأون معه مغامرة التلميذ السارة والمفعمة بالحماسة. هذه المغامرة التي تقدمها الليتورجيا كتجربة النور. عند تسليم الشمعة المضاءة من شمعة عيد الفصح، تقول الكنيسة: “نالوا نور المسيح!”. فالعماد ينير بنور المسيح، ويفتح العيون على بهائه، ويعرّف على سر الله من خلال نور الإيمان الإلهي. يجب على الأطفال الذين سينالون سر العماد أن يسيروا بهدي هذا النور طيلة حياتهم، بمساعدة كلمات ومثال الوالدين والعرابين والعرابات. لذا ينبغي على هؤلاء أن يلتزموا بتغذية شعلة إيمان الأطفال بالكلمات وشهادات الحياة لكيما تتألق هذه الشعلة في هذا العالم الذي غالباً ما يسير في عتمة الشك. كما يجب أن يحملوا لهم نور الإنجيل، نور الحياة والرجاء. هكذا فقط يتمكنون كراشدين من قول هذه الجملة الواردة في ختام المجاهرة بالإيمان في هذا الطقس: “هذه هي عقيدتنا. هذه هي عقيدة الكنيسة. إننا نفتخر بالمجاهرة بها في يسوع المسيح ربنا”.

وفي أيامنا هذه، يعتبر الإيمان أيضاً هبة لا بد من اكتشافها وتنميتها وإظهارها. فليمنحنا الرب جميعاً في هذا الاحتفال بسر العماد نعمة عيش جمال وفرح أن نكون مسيحيين لنتمكن من تعريف الأطفال المعمدين على كمال الاتحاد مع المسيح. فلنوكل هؤلاء الصغار إلى شفاعة مريم العذراء الوالدية. ولنسألها أن تساعد هؤلاء الأطفال المرتدين الحلل البيضاء التي ترمز إلى كرامتهم الجديدة كأبناء الله، على أن يكونوا طيلة حياتهم تلاميذ أمناء للمسيح وشهوداً شجعان للإنجيل. آمين. 

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010

نقلته إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير