سينودس الشراكة والشهادة
المونسنيور بيوس قاشا
روما، الاثنين 18 يناير 2010 (zenit.org). – في التاسع عشر من أيلول (سيبتمبر) الماضي أعلن قداسة البابا بندكتس السادس عشر عن نيّته في عقد سينودس خاص بكنائس الشرق الأوسط في الخريف القادم للفترة من العاشر إلى الرابع والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، وأعطاه عنواناً “الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: شراكة وشهادة”.
بعد ما سطّرناه في القسم الأول من هذا البحث، ندرك عظمة الرسالة التي يحملها نائب المسيح، قداسة البابـا بندكتس السادس عشر والكنيسة الكاثوليكية جمعاء تجاه كنائس الشرق الأوسط، وهذا يعني تأكيداً وتجديداً لتعاليم سلفيه لاون الثالث عشر ويوحنا بولس الثاني ورسائلهما إضافة إلى ما أصدرته المجامع المسكونية. وإن الكنيسة الكاثوليكية واحدة هي وإنْ كانت في الغرب أم في الشرق، والكنيسة ليست سياسة تفصل المعسكر الغربي عن المعسكر الشرقي، إنما الكنيسة رعية واحدة وراعٍ واحد في شخص قداسة البابا. والقطيع المنتشر في أرجاء المعمورة يرعاه بمسؤولية إيمانية ليديم الشركة الواحدة … وما أجمل الطقوس حينما يتبادل قداسة البابا أو مَن ينوب عنه كأس الافخارستيا مع أي رئيس كنيسة شرقي يُنتَخَب جديداً … فالشركة رسالتها وقوامها الافخارستيا، وحلّت محلّ الباليوم منذ عام 1998.
فالافخارستيا هنا علامة شركة كاملة في كسر الخبز الواحد، جسد يسوع المسيح، وشرب كأس الخلاص. كما إن الكنيسة الكاثوليكية كنيسة شهادة وقد عُرفت من زمن تأسيسها وحتى اليوم. ولهذا سبق وأعلمنا الرب يسوع بما عانت وتعاني من عواصف الزمن واضطهادات التاريخ لا تُعَدّ ولا تُحصى، وما أعطته من أناس بذلوا دماءهم من أجل المسيح أساقفة كانوا أم كهنة أم علمانيين أم رهبان. ومع هذا لا زالت قائمة حتى اليوم تشهد لإيمانها بالإنجيل ولخلاصها بالمسيح يسوع، وما حلّ بكنيسة العراق وبمسيحييه شهادة أكيدة بعمق إيمانها الرسولي.
إن السينودس القادم تريده الكنيسة أن يكون نقطة انطلاق وثبات في الإيمان، وشهادة في الحياة، وشجاعة في إعلان البشارة، وأن تواصل الكنائس الشرقية نشاطها الرسولي المعهود، مواصلة السير نحو الوحدة أولاً بين أبنائها المسيحيين، وعاملة على ازدهارها ثانياً. وفي نفس الوقت تريد أن يكون لقاء رؤساء الكنائس الشرقية لقاء وحدة وشركة مع الكرسي الرسولي خليفة بطرس الرسول، وتبين أنه هو الراعي الأول لقطيع المسيح المنتشر في الشرق كان أمخ في الغرب، في الشمال كما في الجنوب، وهو يرعاه بعناية الإيمان ودوام الوحدة. ويتمنى قداسة البابا أن يكون هذا السينودس عاملاً أكيداً لإلقاء الضوء على جميع المشاكل والصعوبات والتحديات التعي تواجه أبناء الكنائس الشرق أوسطية، وتصطدم بالنشاط الرسولي الذي تطّلع به.
اليوم، أبناء شرقنا يتوجهون إلى عبر المحيطات بتأشيرة أو تهريباً بدعوة أو بلمّ الشمل، وفي هذا كله يُفقرون كنائسهم كما يُضعفون الرابط العائلي الشرقي، ويفقدون هويتهم من أجل خبز الزمان وراحة الدنيا. ومَثَلُ العراق مَثَلٌ لهذا الوصف البسيط، إنه يشهد وضعاً غريباً بعد أن كانت كنيسته تواصل مهامها ورسالتها دون خوف أو فزع، بكل همّة ونشاط، وأصبح اليوم أغلبية أبنائها ينظرون إلى هذا البعيد ويرون أنه لا مجال للعيش بعدُ في هذه البقعة الشرق أوسطية. وهذا النزوح الحاصل نزوح مؤلم، فالأبناء يتركون آبائهم وأمهاتهم حيارى ويبيعون ممتلكاتهم ومساكنهم لغايات قطع الصِلة بالوطن الأمّ وبالكنيسة الأمّ.
هذا الواقع لا يجوز أن يكون واقعاً عابراً، ولا يجوز أن يكون كلاماً جزافاً، بل يجب أن يقودنا إلى التأمل وإلى حمل الرسالة بكل أمانة. وما يجب أن نكون فيه وتكون كنيستنا، وعلينا أن ننظر إلى مسؤولياتنا، ونفهم عظمة الرسالة التي أوكلت إلينا جميعاً … وهذا ما أدركته الكنيسة عبر قداسة البابا بندكتس السادس عشر، ومن أجله كان نداء الأب الأقدس في عقد سينودس خاص من أجل كنائس الشرق أوسطية، وقد أعطاه عنوان “شركة وشهادة”، لكي نكون نحن جميعاً أساقفة وكهنة ورهبان وعلمانيين، رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، أمام مسؤوليات الإيمان التي استلمناها من جرن العماد، ووسمت وجوهنا ميروناً لنكون جنوداً أوفياء لرسالتنا … وإلى اللقاء مع القسم الثالث والأخير بإرادة الرب … كيف نتهيأ للسينودس المقدس.