بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الثلاثاء 26 يناير 2010 (Zenit.org). - إن التقليد السرياني بشكل عام غني بالدلائل الختنية [1] في حديثه عن العلاقة التي تربط الله بالنفس، والمسيح بالكنيسة. فغالبًا ما يدعو النساك والمتصوفون السريان المسيح "الحبيب" (حَبِبُا)، ويتوقون للتنعم بالاتحاد به في الخدر السماوي الإسكاتولوجي (غنُنُا). الخدر العرسي الذي يشكل وعد الله بعد أن تخلف الإنسان عن الوعد باتحاد يفوق اتحاد جنان عدن (غَنُا).
على سبيل المثال، تضع موشحات سليمان على المسيح الرب هذه الكلمات واصفة علاقة الرب بالنفس: "مثل ذراع العريس حول عروسته، هكذا نيري على الذين يعرفونني؛ وكما يظلل الخدر العرسي كل البيت العرسي، كذلك حبي يظلل الذين يؤمنون بي" (موشحات سليمان، 42، 8 – 9).
ويتحدث أفرهاط الحكيم الفارسي عن الرب فيصفه بـ "العريس"، بينما يعتبر الرسل "الخِطَّابِين" – أي من يهيئ العروسة للعريس – ويعتبر المؤمنين كالعروس، ولذا يحضهم: "فلنعد المهر إذُا" (راجع البراهين، 14، 68126 و 6841).
ويستحق اهتمامًا كبيرًا فهم السريان للراهب. فالرهبان بالغة السريانية هم "يِحِدُيِا" ومعنى هذه الكلمة يذهب أبعد من الكلمة اليونانية (monakos) التي تعني المتوحد، أي المختلي والمعتزل العالم للبحث عن الله. "يحديا" هو بحسب اللاهوت السرياني "الابن الوحيد"، أي المسيح ابن الآب، و الراهب هو يحديا لأنه، في المقام الأول، يسعى إلى التماثل بالوحيد وإلى الاتحاد به. الغاية من الحياة الرهبانية ليست الهرب من العمل والاعتزال الرواقي، بل الاتحاد، الحب، التمثل بالحبيب والارتقاء إليه.
سنسعى في هذه المقالة إلى تلمس هذا البعد الختني في بعض أناشيد وميامير القديس افرام السرياني.
آنية القديس افرام
لن نتوسع في سرد سيرة القديس افرام لما يتوفر في الكتب وعلى شبكة الانترنت من سير مقتضبة أو مسهبة عن القديس، اهتمامنا في هذا المقطع هو لفت النظر لآنية فكر افرام. نكتفي بالقول أن افرام ولد في نصيبين، التي تقع تقريبًا على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، والحدود الشمالية الشرقية لسوريا. لا يعرف بالتحديد عام ولادته، ولكن على الأرجح ولد في عام 306 من عائلة مسيحية. لنا شواهد على أصل عائلته المسيحي في بعض قصائده حيث يخبر القديس أنه "ولد في طريق الحق". خدم افرام كشماس، وقضى السنوات الأخيرة من حياته في الرها حيث مات في 9 يونيو 373. تعود أهمية افرام في حياته، إلى تعبيره عن الإيمان القويم بألحان شعبية سهلة المنال والحفظ على مسيحيي زمانه. هذا وقد اعترف الكنيسة في مطلع القرن العشرين بآنية افرام وأهميته، حيث أعلنه البابا بندكتس الخامس عشر "ملفانًا للكنيسة" في 5 أكتوبر 1920 في رسالته العامة "رئيس الرسل بطرس" (Principi apostolorum Petro). سنتوقف الآن على اعتبار ثلاثة نقاط تعبّر عن آنية افرام وأهميته في الفكر اللاهوتي اليوم:
الرمزية: تعود أهمية وآنية القديس افرام إلى خاصية فكره، شعره و عظاته. ففي فهمنا الاعتيادي للاهوت وللإيمان نعتبر أن الإيمان هو الاعتراف بسلسلة من الحقائق العقائدية. الإيمان يعني القبول بقانون إيمان. أما بالنسبة لافرام، فاللاهوت هو واقع مختلف، فهو يتحاشى عادة "التحديد"، لاعتباره أن التعاريف تضع حدًا للمتناهي الذي لا حد له. أسلوب افرام هو أسلوب العديد من آباء الكنيسة الأولين الذي يعتمد المفارقة (paradox) المجاز (metaphor) والرمز (symbol). هذا الفهم الآبائي هو متعمق في فكر الكنيسة الأولى لدرجة أن ما نسميه بقانون الإيمان هو بحسب التعريف الكنسي الأصح "رمز" (symbolon) الإيمان.
السريانية: إن اللغة التي يكتب فيها افرام أشعاره ويعبر فيها عن أفكاره هي السريانية، اللغة الأقرب إلى الأرامية التي نطق بها يسوع. إن الجذر الأرامي الذي يربط بين السريانية، الأرامية والعبرية يجعل هذه اللغات قريبة جدًا بعضها من بعض ليس فقط من ناحية الأثيمولوجيا، بل أيضًا من ناحية الحس. يلتقي افرام بالإيمان المسيحي في منبعه اللغوي والحياتي، قبل مروره في وساطة الفكر اليوناني الهيليني. من بين العوالم التي تميز لاهوته عن لاهوت الآباء الذين خضعوا لتأثير الأفلاطونية الحديثة، نجد تقديره للجسد. ففي تعليقه على رسائل بولس على سبيل المثال نجد أن الجسد (مثل سائر الخليقة) هو جزء من خليقة الله، وهذا الأصل هو عنوان كرامته. الجسد بالنسبة لافرام هو "بيت ومسكن الثالوث".
محورية المسيح: يتميز فكر افرام أيضًا بقدرته على قراءة كل تاريخ الخلاص على ضوء النقطة المحورية: يسوع المسيح. فنرى في كل أشعاره، وقراءته للعهد القديم، ولرمزية تاريخ البشرية محورًا مغناطيًا يجذب التاريخ ويفسره هو يسوع المسيح. انطلاقًا من هذه النقطة الثالثة، سنسعى في القسم التالي من المقالة أن نستخلص فكر افرام حول موضوع الكنيسة عروس المسيح.
---
[1] نستعمل كلمة "خَتْن" وصِفة "خَتْنِيّة" للحديث عن البعد الزوجي أو العِرسيّ، والذي يتم التعبير عنه في إطار التيار اللاهوتي الذي يشدد على محورية القراءة الزوجية للسر المسيحي باسم "theologia nuptialis". ونعطي الأفضلية لكلمة "ختن" لتماثلها مع كلمة "حَتْنُا"، التي يستعملها التقليد اللاهوتي السرياني بشكل خاص للحديث عن المسيح العريس.