روما، الإثنين 27 أغسطس 2012 (ZENIT.org)- ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي من على شرفة الساحة الداخلية للقصر الرسولي الصيفي نهار الأحد 26 أغسطس 2012.
***
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
تأملنا في أيام الآحاد الأخيرة هذه بكلام يسوع في كفرناحوم عن “خبز الحياة”، بعد أن أطعم آلاف الأشخاص بخمسة أرغفة وسمكتين. يمثل إنجيل اليوم ردة فعل التلاميذ على هذا الكلام، وهو رد أراد المسيح أن يحدثه عمدًا. أولا يقول القديس يوحنا الذي كان حاضرًا مع الرسل الآخرين “ارتدَّ عِندَئِذٍ كثيرٌ مِن تَلاميِذه وانقَطعوا عنِ السَّيرِ معَه” (يوحنا 6، 66). لماذا؟ لأنهم لم يؤمنوا بكلام يسوع الذي قال: “أنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء، مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة” (راجع يوحنا 6، 51:54)، وهي كلمات غير مقبولة حقًّا، وغير مفهومة بالنسبة إليهم. ظلّ هذا الإيحاء غير مفهوم بالنسبة إليهم، كما قلت، لأنهم كانوا يحاولون فهمه من الناحية المادية، في حين أن هذه الكلمات كانت تعلن عن سر يسوع الفصحي الذي فيه سيبذل نفسه من أجل خلاص العالم.
بعد أن رأى يسوع أن عددًا كبيرًا من تلاميذه يرحل، استدار نحو الإثني عشر قائلا: “أَفلا تُريدونَ أَن تَذهبَوا أَنتُم أَيضًا؟” (يوحنا 6، 67). وكالعادة يجيب بطرس باسمهم قائلا: “يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب؟” نحن أيضًا علينا أن نقول: “يا رب الى من نذهب؟ وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟ ونَحنُ آمَنَّا وعَرَفنا أَنَّكَ قُدُّوسُ الله” (يوحنا 6، 68-69). نجد تعليقًا جميلا حول هذا المقطع للقديس أغسطينس الذي يقول: “أرأيتم كيف فهم بطرس عن طريق نعمة الرب وإلهام الروح القدس؟ لماذا فهم؟ لأنه آمن. لديك كلمات الحياة الأبدية. أنت تعطينا الحياة الأبدية من خلال وهب جسدك القائم من الموت ودمك. ونحن آمنا وعرفنا. ولا يقول: عرفنا وآمنا، بل يقول آمنا وعرفنا. لقد آمنا أولا لكي نعرف لاحقًا. إذا في الواقع أردنا أن نعرف قبل أن نؤمن، لما تمكنا لا من المعرفة ولا من الإيمان. بم آمنا وماذا عرفنا؟ بأنك المسيح ابن الله، أي بأنك أنت الحياة الأبدية، وأنك تعطينا نفسك من خلال جسدك ودمك”. (تعليق على إنجيل يوحنا 27، 9).
أخيرًا، كان يسوع يعلم بأن واحدًا من بين الإثني عشر لا يؤمن وهو يهوذا. كان يمكن ليهوذا أيضًا أن يذهب، كما فعل الرسل الآخرون، أو بالأحرى، كان عليه أن يذهب لو أنه كان صادقًا. ولكنه على العكس، بقي مع يسوع، لا إيمانًا به، ولا حبًّا به، ولكن مع نية سرية للإنتقام من المعلم. لماذا؟ لأن يهوذا شعر بأن يسوع خانه وأراد إذا أن يخونه بدوره. فيهوذا كان من طائفة الغيورين وكان يريد مسيحًا منتصرًا، يقود ثورة ضد الرومان. خيّب يسوع توقعاته. المشكلة هي أن يهوذا لم يذهب، وخطأه الأكبر كان الكذب، علامة الشيطان. لهذا السبب قال يسوع للإثني عشر: “واحد منكم شيطان” (يوحنا 6، 70). فلنصلّ للعذراء مريم لكي تساعدنا على الإيمان بيسوع، على مثال القديس بطرس، ولنكن دائما صادقين معه ومع الجميع.
***
نقلته من الفرنسية الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية