الموصل، الجمعة 24 أغسطس 2012 (ZENIT.org). - في نص اليوم، يتكلم يسوع عن الإنسان الذي لديه الثقة الكبيرة بالله، هذا الإنسان الذي يلح في الطلب كثيراً، وهو يعرف بأنه سينال ما يريده في النهاية... وينطلق يسوع من مثل بسيط من الحياة الإجتماعية، وهو يريد ان يقول، بان الآباء يحسنون العطاء لأبنائهم، نحن الأشرار نحسن العطاء، فكم بالأحرى إذن أبوكم السماوي، فهو الواهب الوحيد للعطايا، ومنه يأخذ كل فعل عطاء معناه الحقيقي، ولانه هو الوحيد الذي يستطيع أن يعطي كل ذاته في سبيل أحبائه، أبنائه...
لكن كثيراً ما نقع في تجربة كبيرة، وهي تجربة الله... طلب الجموع آية من السماء ليجربوه... هذا الموقف هو موقف الإنسان غير الواثق من عطاء الله الحقيقي، فيدخل الإنسان في علاقة مصلحة معه، يجربه غير واثق بعطائه اللامحدود.. وفوق هذا كله، يقسى قلب الإنسان، فيفقد الثقة كاملة بالرب، فيتهمه بالشيطنة، وانه يستخدم الشيطان، ويستخدم الشر في سبيل ان يحسن العطاء لاحبائه...
في الحقيقة، الله لا يستخدم الشر في العطاء، ولا يجرب الإنسان عن طريق الشر، لانه هو أله محب لأبنائه... وهو يريد من الإنسان ان يستثمر كل لحظة من حياته سلبية كانت ام إيجابية في سبيل توثيق العلاقة مع أبيه السماوي...
تشوه العلاقة مع الله تنتهي بالإنسان إلى أن يستبدل الله - موضع الثقة - بآلهة أخرى كثيرة من الممكن ان تلبي طلباته، ولكن إلى حين...
حتى يثبت الإنسان ولا يقع في التجربة، يحتاج إلى جماعة تسنده وتساعده في عيش إيمانه بحق... وحتى ينتمي الإنسان إلى هذه الجماعة، يحتاج إلى ان يحبهم ويحبوه ويؤمن بمبادئهم... ولكن الفعل الأساسي والحقيقي المطلوب من هذه الجماعة لتكون واحدة، هو الحب.... ويسوع قال: "أحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم" وقال أيضاً "إجعلهم واحداً كما انا وأنت واحد".... يحتاج الإنسان إلى جماعة تعرّفه على الله، ويكون ذلك من خلال التعامل الإنساني مع بعضهم البعض...
وإن فقد الحب في يوم من الأيام، سنرى الحقد والأنانية تسيطر على الجماعة، فتنقسم، ومن صفات الشرير، الشيطان، هي القسمة، التقسيم، الفصل، وهذا ضد المحبة وضد إرادة الله الذي يدعو إلى المشاركة والمقاسمة بما نملك مع بعضنا البعض....
لذلك، يجب ان يكون هدف الجماعة (الكنيسة) هو يسوع المسيح، لأنه باقٍ إلى الأبد، أما الأهداف الأخرى فهي زمنية وزائلة، مثلاً (الطائفية،، المال، السياسة، القومية... ألخ)... كل هذه الأمور إذا اعتمدت عليها الكنيسة، سوف نرى الكنيسة تنتهي وتتهاوى بنهاية هذه الأهداف... ولكن هدف الكنيسة الحقيقي هو أسمى وابعد وأعمق، إنه يسوع المسيح...
والمشكلة التي يتكلم عنها يسوع في مسالة انهيار المملكة أو انهيار الجماعة، مهما كانت هذه الجماعة، هو في الإنقسام الداخلي، هذا الشرخ الذي يحدث في الجماعة يجعلها تفقد الحب الذي به تعمل لتصل إلى الهدف والغاية الحقيقية...
واليوم، إخوتي أخواتي، ألا نعيش نحن هذا الإنقسام؟ إن كان في داخل كل واحد منّا، أم إن كان في داخل عوائلنا أم كان في داخل علاقاتنا الإجتماعية الأخرى، لا بل أيضاً في داخل كنائسنا؟... فرصة هي اليوم ان نأخذ على عاتقنا ان نعيش الحب بكل معنى الكلمة، لان الذي يحب، يخدم ولا يبحث عن المنصب الذي يجعله يتصارع مع إخوته ليحصل عليه فتنقسم مملكتهم، الحب يبعدنا عن الكره، لأننا سوف نعتبر الآخر الذي أمامنا هو يستحق بان نعطيه أجود ما لدينا، لأنه ابن الله ولأننا أبناء الله ونحسن العطاء مثل أبينا الذي في السماوات...
دعوة لنا اليوم، إلى ان نليّن قلوبنا ونستبدلها بقلوب من لحم ودم، قلوب ينبض فيها الحب، قلوب يخلقها الله على صورته ومثاله، قلوب هدفها هو الله نفسه وليس الانقسام الذي يهدم كل جماعة وكل علاقة إنسانية..
نصلي اليك يا رب، لكي ما تلتئم الجراحات التي تدمي جسد كنيستك... وساعدنا على ان نتمسك بكل ما يجعلنا واحداً، ان نكتشف الحب في حياتنا، لانه الوحيد القادر على جعلنا نقترب من بعضنا، فنبتعد عن كل ما يقسمنا ويحاول هدمنا، لنبقى نحن ابنائك وانت أبونا فنتعلم منك العطاء... آمين