رسالة الفصح 2013 : "من يُزيل لنا الحجر؟"

للمطران مارون لحام، النائب البطريركي للاتين في الأردن

Share this Entry

“المسيح قام، حقًّا قام”. إنجيل القديس لوقا هو الإنجيل الوحيد من الأناجيل الأربعة الذي عندما يتكلّم عن قيامة المسيح يستعمل كلمة “حقًّا” قام. يستعمل كلمة “حقًّا”. وكأنّه يريد بذلك أن يؤكّد أن قيامة المسيح ليست حُلمًا ولا اختراعًا أو تخيّلاً من الرسل، ولا هلوسة من قِبل النساء اللواتي رأين القبر فارغًا. يريد القديس لوقا أن يقول أن قيامة المسيح حدثٌ تاريخي أكيد. ونفس كلمة “حقًّا” استعملها الرسل عندما عاد تلميذا عماوس وقالا أن الرب ظهر لهما، عندها قال الرسل: “لقد قام الرب حقًّا وتراءى لبطرس”. لقد آمن الرسل بقيامة المسيح إلى حدّ أنّهم ضحّوا بحياتهم شهادة على ذلك. لهذا السبب نقول أن إيماننا المسيحي بقيامة يسوع المسيح من الموت مبنيّ على إيمان الرسل وشهادتهم الصادقة.

وهذا الحدث التاريخي له بعدٌ مهمّ في تاريخ البشرية. فقد شكّل حدًّا فاصلاً، بحيث أن التاريخ يُقسم إلى قسمين:  ما قبل المسيح وما بعد المسيح؛ كالحدّ الفاصل بين الماء واليابسة. لا بل هنالك أكثر من ذلك، فمعنى القيامة يتخطّى التاريخ إلى ما هو أبعد من التاريخ، القيامة تفتح آفاقًا جديدة للبشرية هي العالم الآخَر، عالمُ الحياة الأبدية، عالم المجد الأبديّ، عالم يصبح الله فيه كلًّا في الكل، عالمٌ يضع فيه الأبن كلَّ شيء بين يدي الآب، عالمٌ يمسح الله فيه كلّ دمعة من عيوننا، عالمٌ لا ألمَ فيه ولا مرض ولا توجّع، بل فرحٌ وسلامٌ وسعادة أبدية. قيامة المسيح تسمح بالجمع بين تاريخ البشر وتاريخ الله الخلاصي، قيامة المسيح تجعل تاريخ الخلاص يدخل في تاريخ البشر ويقدّسه ويعطيه معنى أبديًّا.

ونحن شهود على ذلك. يقول المسيح: “وستكونون شهودًا في اليهودية والجليل وحتى أقاصي الأرض”. ولسنا شهودًا فقط، بل نحن فاعلون أساسيّون في هذه الشهادة. “إذهبوا في الأرض كلّها وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين”. وهذا الأمر ليس سهلًا، فلكي نكون شهودًا للقيامة ينبغي أن ندخل في منطق القيامة، يجب أن نمتليء من نور المجد المنبعث من القبر الفارغ، وهذا أمرٌ لا يتم إلاّ إن أزلنا الحجر الكبير عن باب القبر. إزالة الحجر  كان الهمَّ الأكبر لدى النساء اللواتي ذهبن لزيارة القبر صباح الأحد: “من يُزيل لنا الحجر؟”. من يزيل لنا الحجر؟ ما أكثر الحجارة، ما أكثر العوائق التي تمنع عنّا، اليوم، نور القيامة؟

–                     الحجر الذي يمنعنا من أن نعيش حسب منطق الله، ويحملنا على العيش بحسب منطق البشر.

–                     الحجر الذي يُعيق مسيرتنا على خُطى المسيح القائم من الموت: الأنانية والحسد والكبرياء، والمجد الباطل وحب الذات، والكسل، والرتابة اليومية، ونقص الإيمان والرجاء والمحبة…

–                     الحجر الذي يحول دون أن نرى في وجه القريب، أيًّا كان، وجه الله الرحيم، وأخًا لنا خلقه الله كما خلقنا وأحبّه وفداه بدم ابنه الوحيد.

–                     الحجر الذي يشكّل عائقًا دون قبول الآخر المختلف عنا عِرقًا وووطنًا ودينًا، ويحملُنا على إطلاق أحكام مسبقة وخاطئة عليه، أقول خاطئة لأنها ليست حسب أفكار الله وأحكامه بل بحسب أفكار البشر وأحكامهم.

–                     الحجر الذي يصدّ قلوبَنا عن مشاعر الرحمة والمغفرة والنسيان متى أساء إلينا غيرُنا، مع أننا نقول يوميًّا، وأكثر من مرة : “واغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن أساء إلينا”.

–                     الحجر الذي يمنعنا من المشاركة في آلام إخوتنا البشر القادمين إلينا من بلاد يسودها العنف والدم والدمار، ويمنعنا من أن نفتح لهم قلوبنا وبيوتنا.

–                     الحجر الذي يجعلنا ننغلق في عالمنا الخاص المرتاح وفي مصالحنا الخاصة، وننسى الخير العالم والإلتزام في حياة الكنيسة والمجتمع لأن ذلك يتطلب جهدًا وتضحية لسنا مستعدين لبذلها.

–                     الحجر الذي يملأ قلبنا خوفًا من أن نفقد نعمة الأمن والأمان التى ما زال الله ينعم بها علينا، بقيادة مليكنا عبد الله بن الحسين المعظم.

–                     الحجر والحجر …. والحجارة كثيرة.

قد نتعب ونحن نعدّد هذه الحجارة، وقد نتعب ونحن نحملها من مكانها إلى مكان آخر كي نستمتع بنور القيامة المنبعث من القبر الفارغ، وقد نيأس في لحظة ما ونترك الحجارة مكانها ونحرم أنفسنا بالتالي من نعمة القيامة. يجب ألّا نيأس، أيها الإخوة والأخوات، يجب ألّا نستسلم. فالرسل أنفسهم مرّوا بهذه التجربة، لكنهم خرجوا منها منتصرين لأنهم فتحوا آذانهم لصوت المسيح القائم الذي قال لهم عندءذ ويقول لنا اليوم: “لا تخافوا، ثقوا، قد غلبت العالم، غلبت الشيطان سيّدَ العالم، غلبت الخطيئة، غلبت الموت، أنا معكم طول الأيام إلى انقضاء الدهر. السماء والأرض تزولان وكلامي لا يزول”.

أيها الإخوة والأخوات، المسيح قام، حقا قام. بعد القيامة، لم يعُد شيءٌ كما كان قبلاً، قيامة المسيح جدّدت العالم، جدّدت الخلق. هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ونتهلّل به. وكل عام وأنتم بخير.

آمين

النائب البطريركي للاتين في الأردن

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير