فقد احتفلت كنيستا الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس في مدينة حلب بدون أسقفين جليلين ما زالا بين أيدي خاطيفهم منذ عشرة أيام، وصلى مؤمنوهم حاملين أغصان الزيتون بالبكاء وأيضاً الرجاء باعادتهما سالمين الى كنائسهما.
انّ كلا من المطران يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي المختطفين هما من كبار المفكرين العرب المسيحيين في أيامنا الحالية، وقد كتب كل منهما ما يناهز مئة كتاب في الطقوس والروحانيات، وكذلك كتبا في العيش المشترك والتعاضد والمودة بين أتباع الديانتين الاسلامية والمسيحية، ولهما مشاركات محلية ( في داخل سوريا ) واقليمية ودولية، ذائعة الصيت، نظراً للرقي في خطاب كل منهما، وقد لمست شخصياً مقدار الاحترام الذي يكنُه لهما كل من شارك بمؤتمر و استمع لحديث منهما.
لقد طالبت جهات عدّة باطلاق سراح صاحبي السيادة، ومنها الفاتيكان وسائر الكنائس ، فضلا عن جهات غير مسيحية ، وهي الجهات ذاتها التي أدانت قبل أسابيع مقتل الشيخ محمد سعيد البوطي، وهي اليوم ترجو أن تتوقف أعمال الخطف والقتل، بحق الرموز والأديان، لأنّ ذلك سوف يُضعف المعنويات ويجعل المجال مفتوحا على مصراعيه للفتن الطائفية والدينية.
لقد تعلمنا من التجربة العراقية المريرة أنّ المسيحيين الذين كانوا وما زالوا بناة حضارة ووئام في مجتمعاتهم العربية والشرقية، يهدّدهم خطر الهجرة وافراغ الأماكن المقدسة من سكانها الأصليين، وقد اثّر ذلك على الحضور المسيحي العربي والمشرقي الفاعل، وهدّد الابقاء على التعددية الدينية التي كانت وستبقى باذن الله غنية ومغنية، وترسم أبهى صور التعاون والبناء والتناغم والوئام بين أتباع الديانتين التوحيديتين: الاسلام والمسيحية، ولا يريد أحد عاقل ان تتكرّر المجازر وأعمال التهجير الطائفية والدينية في بلد عربي شقيق وعزيز هو سوريا.
حسنا فعل المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام، حينما كرّر في بيانه الاستنكاري لعملية الخطف، ما قاله المطران يوحنا ابراهيم، أحد المطرانين المخطوفين، في ورقة العمل التي قدّمها في مؤتمر : “المسيحية العربية إلى أين” ؟ الذي رعاه الامير الحسن بن طلال في عمّان، في آذار 2012، ، حين أكد على: “الحاجة إلى أصوات مسلمة ذات وزن كبير لبعث الأمل والرجاء في المنطقة؛ واشار إلى أنّ هاجس الهجرة هو من أهم هواجس المسيحيين في المنطقة، بل وهواجس المسلمين المعتدلين أيضاً.” وكذلك قال: “أن المسيحيين في الشرق يريدون أن يكونوا في سوية مع باقي المواطنين في الحقوق والواجبات؛ وعلينا ان نعمل على تعميق ثقافة المواطنة في المنطقة وإلا فسيكون هنالك غبن بحق المسيحيين”.
في هذا الأسبوع المسمّى بالاسبوع المقدّس، والذي تستعد فيه كنائس المشرق العربي، ومنها كنائس حلب المفتقرة الى رعاتها، للاحتفال بالعيد، لا يسعنا الا مناشدة كل صاحب نفوذ للتدخل من أجل وقف العنف واستتباب الأمن وعودة المطرانين المخطوفين ، وكل شخص مختطف ، سواء أكان على أساس طائفي أو ديني او موقف سياسي. ومع الأطفال الفرحين بالشعانين ، حاملين أغصان الزيتون في أيديهم، ومصعدين من أعماقهم صلاة صادقة ، ومع أصحاب النيات الحسنة نقول: يا ليت الأطراف المتصارعة تلين على مرأى أطفال يحلمون بلحظات من الفرح والطمأنينة، وبخاصة في أيام العيد.
شعانين حلب ، بدون مطرانين … يا ليت الفصح تتسع أفراحه بعودتهما.