بعد أربعين سنة من اللقاء التاريخي الذي جمع البابا بولس السادس في الفاتيكان مع البابا شنودة الثالث، جاء استقبال خليفة القديس بطرس البابا فرنسيس، لخليفة القديس مرقس البابا تواضروس الثاني، ليؤكد على رغبة مستمرة في التعاون المتبادل وفي بناء ما فيه الخير، ليس فقط لأبناء الكنيستين الكاثوليكية والقبطية، بل وللبشرية جمعاء.
لقد كان العاشر من أيار هذا العام مميّزاً في هذا اللقاء بين شخصيّتين لهما وزنهما الكبير في الساحات العالمية، وهما شخصان أكثر ما يوصفا به حالياً هو سمة البساطة والتواضع. وكلاهما بدأ فترة خدمته من وقت قصير، لذلك يشكل هذا اللقاء بينهما فاتحة خير وتفاؤل في اللقاء المشترك والصلاة المشتركة، والتعاون المشترك لما فيه خير الانسان.
من اللافت للنظر ان اللقاء اتسم بالتركيز على نقاط الالتقاء التي ميّزت تاريخ الكنيستين في العصر الحديث، من اللقاء في العاشر من أيار عام 1973 بين البابا شنودة الثالث والبابا بولس السادس في حاضرة الفاتيكان، الى اللقاء التاريخي كذلك الذي جمع في شباط من عام اليوبيل 2000 البابا يوحنا بولس الثاني مع البابا شنودة الثالث، أثناء زيارة الحج التي قام بها الأوّل الى مصر.
وفي لقاء هذا الشهر، كانت زيارة تواضروس ، وهي الأولى له منذ جلوسه على كرسي الكرازة المرقسيّة في تشرين ثاني الماضي، لتركز على عمق الصلات التاريخية وحتى العقائدية للكنيستين الشقيقتين. ولم يتم التطرق الى مواضيع الساعة الساخنة في مصر، وذلك لحساسية الموقف، ولأنّ هنالك قناعة تقول بأنّ كلا من البابوين هما زعيمان روحيان وقائدا ايمان وليسا سياسيين، رغم انّ التحدّث بالسياسة من منظار حقوق الانسان وكرامته هما من واجباتهما. قلنا نظرا لحسياسيّة الموقف، ذلك أنّه وفي فترة البابا السابق بندكتس وعندما أبدى أسفه لما حصل في إحدى كنائس مصر التي تفجّرت فوق رؤوس المصلين فيها، أبدت جهة رسمية – هي الأزهر – امتعاضها ممّا اعتبرته تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد. وقطعت الحوار مع الفاتيكان وما زال مقطوعاً الى اليوم، ويؤمل من البابا القبطي " التوسّط " – لإعادته نظراً لأهميته القصوى في هذه الأيام. لذلك لم يكن هنالك كلام سياسي بل تضمنت الخطابات دعوات عامّة من أجل السلام والعدالة.
كان ملفتاً وهامّاً كذلك دعوة البابا تواضروس الى اعتبار يوم العاشر من أيار عيداً احتفالياً بالمحبّة الأخويّة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الارثوذكسية. وإني على يقين بأنّ الكنيسة الكاثوليكية ستتجاوب مع هذا التوجّه الايجابي ومع هذا النداء المُلح، وستعمل كلتاهما على تعزيزه من خلال امكانية توحيد الأعياد في مصر، وتقوية المجلس الوطني للكنائس المسيحية الذي تأسّس قبل أشهر قليلة، ويؤمل أن يقوم بمبادرات طيّبة في نطاق التعاون بين الكنائس المختلفة، وكذلك في دعم مسيرة الحوار مع أتباع الديانة المسلمة، وصولاً الى درجة المواطنة التي تتضمّن بالضرورة المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.
وهكذا، زيارة تواضروس عندما نقرأها جيّدا، تتخطى أسوار الفاتيكان، لتدعو الى الاحترام الكامل للإنسان، في مصر وفي العالم أجمع، ومن أهم حقوقه: أن يشعر بالمساواة مع سائر المواطنين.
عاشت المحبة الأخوية.