زار البابا فرنسيس يوم الثلاثاء ٢١ مايو منزل “عطية مريم” في الفاتيكان لمناسبة الذكرى الـ٢٥ لتأسيسه على يد البابا يوحنا بولس الثاني في ٢١ مايو ١٩٨٨.
ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا خلال هذه الزيارة:
* * *
إخوتي وأخواتي الأعزّاء،
مساء الخير.
أوجّه لكم تحيّاتي الحارّة والمميّزة خصوصًا لأهل هذا المنزل وأقول منزلكم لأنّه أُنشئ لكم. وأشكر كلّ من يقوم بدعم منزل “عطيّة مريم” في الفاتيكان بوسائل مختلفة . وأنا أزوركم في هذا المساء أوّلًا وقبل كلّ شيء لأشكرَ مُرسلات المحبّة التي أسّستها الطوباويّة تريز من كالكوتا فالراهبات يعملن هنا منذ ٢٥ عامًا بمساعدة عديد من المتطوّعين لخدمة أشخاص في أمسّ الحاجة إلى المساعدة. أشكركم من أعماق قلبي!
فأنتنّ أيّتها الراهبات مع الإخوة مرسلي المحبّة وكافّة المعاونين تُظهرن حبّ الكنيسة للفقراء. وأنتنّ في خدمتكنّ اليوميّة تصبحن كما يقول المزمور ١٤٥، ١٦ “اليد التي تُشبع كلّ حيّ”. فكم من مرّة في بحر السنين انحنيتنّ على كلّ من كان بحاجة وكما السامري الصالح نظرتنّ إليه ومددتنّ له أيديكن لتُرحنه!
وكم من جياع أطعمتن بكلّ صبر وتفان! وكم من جراح، جراح روحيّة بالأخصّ ضمّدتنّ. واليوم أريد أن أتوقّفَ على ثلاث كلمات مألوفة لديكن: المنزل وعطيّة ومريم.
١. أرادَ الطوباوي يوحنّا بولس الثاني إنشاء هذا “المنزل” وهذا عمل القدّيسين والطوباويّين! يوحنّا بولس الثاني وتريز من كالكوتا..والقداسة مستمرّة! وحين نتحدّث عن “منزل”، إنّنا نتحدّث عن مكان استقبال وعن مأوى، عن مكان إنساني نشعر فيه أنّنا بخير ونجد فيه أنفسنا، نشعرُ فيه بالانتماء إلى أرض إلى جماعة. وإنّ كلمة “منزل” لها طابع عائلي تُذكّرنا بالدفء والعاطفة والمحبّة التي نختبرها في العائلة. إذًا فإنّ “المنزل” يدلّ على غنى إنساني قيّم وهو اللقاء والعلاقات بين أشخاص من مختلف الأعمار والثقافات والتاريخ إلّا أنّهم يعيشون مع بعضهم ويتساعدون لينموا معًا. لذا فإنّ المنزل هو المكان الذي تنمو فيه الحياة وتتحقّق لأنّ فيه يتعلّم كلّ إنسان أن يتلقّى الحبّ ويعطيه. هذا هو “المنزل”. وهكذا أراد هذا المنزل أن يكون منذ ٢٥ عامًا! يقع هذا المنزل على حدود الفاتيكان وإيطاليا وهو نداء لنا جميعًا وللكنيسة ولمدينة روما، نداء لنشكّل عائلة، “منزلًا” يستقبل ويُعيل كلّ إنسان.
٢. والكلمة الثانية هي “العطيّة” وهي كلمة تصف هذا المنزل وتُشكّل هويّته. فهذا المنزل يتميّز بالعطيّة..العطيّة المتبادلة. ماذا أعني؟ أعني أنّ هذا المنزل يعطيكم استقبالًا ويعطيكم دعمًا ماديًّا وروحيًّا أنتم الذين جئتم من أصقاع الأرض وأنتم أيضًا عطيّة لهذا المنزل وللكنيسة. أنتم تقولون لنا بأعمالكم أن نحبّ الله ونحبّ القريب ليس أمرًا نظريًّا بل ملموسًا: وهذا يعني أن نرى في كلّ شخص وجه الله الذي يجب أن نخدمه ونقوم بخدمته فعلًا. وأنتم، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أنتم وجه يسوع. شكرًا! أنتم “تعطون” الذين يعملون في هذا المكان فرصة ليخدموا يسوع المحتاج. فهذا المنزل يعكس محبّة الله أب الفقراء. وهنا نعيش ضيافةً منفتحة لا تميّز بين جنسيّة ودين وتتبع تعاليم يسوع “مجّانًا أخذتم، مجّانًا أعطوا” (مت ١٠، ٨). وعلينا كلّنا أن نفهمَ من جديد معنى العطيّة والمجّانيّة والتضامن. إنّ الرأسمالية الوحشيّة هي التي علّمتنا منطق الربح بأيّ ثمن والعطاء وانتظار شيء ما في المقابل واستغلال الناس…وها نحن نرى نتائج هذا المنطق في الأزمة التي نعيشها الآن! يعلّمنا هذا المنزل فعل المحبّة ويدعونا على لقاء الآخر من دون أي مقابل بل من أجل الحبّ فقط. إنّ أنغام هذا المنزل هي “الحبّ”و وهذا أمر جميل! وأنا أحبّ أنّ الإكليريكيّين من العالم أجمع يأتون إلى هنا ليعيشوا الخدمة فيعيش الذين سيصبحون كهنة في المستقبل رسالة الكنيسة ويحوّلونها كنزًا لرعاياهم.
٣. والميزة الأخيرة لهذا المنزل هي أنّه “عطيّة مريم”. إنّ القدّيسة مريم العذراء حوّلت وجودها إلى عطيّة قيّمة إلى الله لأنّها أحبّت الرب. إنّ مريم هي مثال يحتذي به كل من يعيش في هذا المنزل ونحتذي به كلّنا فنجن مدعوّون على مثالها إلى عيش المحبّة تجاه القريب لا كواجب اجتماعي بل انطلاقًا من حبّ الله. وكما قالت الأمّ الرئيسة فإنّ مريم هي التي تقودنا نحو يسوع وتعلّمنا كيف نذهب إلى المسيح وأمّ يسوع هي أمّنا. ونحن المسيحيّون نؤمن أنّ حبّ القريب يأتي من حبّ الله وهو التعبير الأكثر وضوحًا لحبّ الله. وهنا في هذا المنزل، نبحث عن حبّ القريب ونجعل القريب يحبّنا. وهذان المفهومان متناغمان لا يمكن أن نحصلَ على الأوّل من دون أن نطبّق الثاني. ونرى هذه الكلمات مطبوعة لدى مرسلات المحبّة “بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ” (مت ٢٥، ٤٠). أن نحبّ الله في إخوتنا ونحبّ إخوتنا في الله.
أصدقائي الأعزّاء، أشكرم من جديد. وأصلّي أن يبقى هذا المنزل مكانًا استقبال وعطيّة ومحبّة في قلب مدينة روما. فلتسهر القدّيسة مريم دائمًا عليكم ولترافقكم بركتي. شكرًا.
***
نقلته إلى العربيّة بياتريس طعمة ـ وكالة زينيت العالميّة
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية