حذر البابا فرنسيس من خطر الإنغلاق في الرعايا. ننشر في ما يلي السؤال الثالث الذي أجاب عنه البابا فرنسيس في عشية العنصرة يوم السبت 18 مايو في ساحة القديس بطرس خلال لقائه مع الحركات الكنسية.
***
صاحب القداسة، كنت مدهوشة وأنا أستمع الى كلماتكم في المقابلة العامة التي جمعتكم بالصحافيين بعد انتخابكم: “أريد كنيسة فقيرة للفقراء.” كثيرون منا ناشطون بأعمال محبة وعدالة. نحن نمثل جزءًا ناشطًا من حضور الكنيسة المتجذر حيث يعاني الإنسان. أنا موظفة، ولديّ عائلة، وأنا ملتزمة شخصيًّا بما أستطيع من خلال قربي ومساعدتي للفقراء. ولكنني لا اشعر بأنني “شخص طيب” لهذه الدرجة. أود أن أستطيع أن أقول مع الأم تيريزا: كل شيء للمسيح. إن الذي يساعدني بشكل كبير لأحيى هذه التجربة هم إخوتي وأخواتي في الجماعة الملتزمين الالتزام عينه. وفي هذا الالتزام، يدعمنا الإيمان والصلاة. الحاجات ضرورية. فلقد ذكرتمونا أنتم بذلك: “هناك العديد من الفقراء في العالم! وهم يعانون كثيرًا!” والأزمة تتفاقم. أنا أفكر بالفقر الذي يضرب الكثير من البلدان والذي يبدأ بالظهور أيضًا في عالم الرفاهية، في انعدام العمل، والهجرة الجماعية، والعبودية الجديدة، والهجر، والوحدة التي تعانيها عدة عائلات، والعديد من المسنين، وكل الذين لا يملكون بيتًا أو عملًا.
أود أن أسألكم يا صاحب القداسة كيف أستطيع، أو كيف نستطيع أن نعيش كنيسة فقيرة للفقراء؟ كيف يمكن للإنسان الذي يعاني أن يحرك إيماننا؟ نحن جميعًا، من حركات وجمعيات علمانية، أي مساهمة ملموسة وفعالة بإمكاننا أن نجلب للكنيسة وللمجتمع لنتجنب هذه الأزمة الخطيرة التي تطال الأخلاق العامة، ونموذج التطور، والسياسة، باختصار بأية طريقة جديدة يمكن أن نكون رجالًا ونساءً؟
سأنطلق من جديد من الشهادة. قبل كل شيء، إن المساهمة الأساسية التي بإمكاننا أن نقدمها هي أن نعيش الإنجيل. ليست الكنيسة حركة سياسية، ولا حتى بنية منظمة…نحن لسنا منظمة غير حكومية، وحين تصبح الكنيسة منظمة غير حكومية، تخسر ملحها، فتخسر طعمها، وتصبح منظمة فارغة. وفي هذا الصدد، كونوا أذكياء، لأن الشيطان يخدعنا بخطر الكفاءة. أن نبشر بيسوع هو شيء وأن نكون كفوئين هو شيء آخر. كلا، الأمر يتعلق بقيمة أخرى. قيمة الكنيسة، بشكل أساسي، هي عيش الإنجيل والشهادة لإيماننا. الكنيسة هي ملح الأرض، ونور العالم، هي مدعوة لتُظهر في المجتمع خميرة ملكوت الله وهي تفعل ذلك قبل كل شيء من خلال شهادتها، شهادة المحبة الأخوية، والتضامن، والمشاركة.
حين نسمع أن التضامن ليس قيمة، بل هو “سلوك أولي” عليه أن يختفي…يكون هناك خلل ما! نفكر بكفاءة دنيوية بحتة. أوقات الأزمات، كالأوقات التي نعيشها اليوم- ولكنك قلت قبلا بأننا كنا “في عالم من الأكاذيب”- وقت الأزمات هذا، انتبهوا، ليس فقط وقت أزمة اقتصادية، كلا بل هو أزمة ثقافية. أزمة الإنسان: الذي هو في أزمة هو الإنسان! والذي يمكن أن يُدَمَّر هو الإنسان! ولكن الإنسان هو صورة الله! ولذلك إنها لأزمة عميقة! في وقت الأزمة هذا لا يمكننا أن نهتم إلا بأنفسنا، وننغلق في الوحدة، وفي الإحباط، ونعيش شعورًا بالعجز أمام المشاكل. لا تنغلقوا أنا أرجوكم! هذا شيء خطير: نحن ننغلق في رعايانا، بين أصدقائنا، في حركاتنا، مع الذين يفكرون مثلنا…
ولكن أتعلمون ما الذي يحصل؟ عندما تبقى الكنيسة منغلقة، تمرض، نعم تمرض. تخيلوا غرفة مقفلة لسنة: عندما ندخل اليها، نجد أن الكثير من الأشياء قد تلفت. كنيسة منغلقة، الأمر سيان…: كنيسة مريضة. يجب على الكنيسة أن تخرج من ذاتها. أين ؟ نحو الضواحي الوجودية، مهما كانت، ولكن عليها أن تخرج. يقول لنا يسوع: “اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا” (مرقس 16، 15). ولكن ماذا يحدث إن خرجنا من أنفسنا؟ يمكن أن يحدث ما يحدث لأي شخص خرج من بيته الى الطريق: حادث. ولكنني أقول لكم: أفضّل ألف مرة كنيسة تعرضت لحوادث على كنيسة مريضة بسبب الإنغلاق! اخرجوا!
فلنفكر أيضًا بما جاء في الرؤية. ورد فيها شيء جميل: يسوع واقف على الباب وهو يقرع، يقرع ليدخل في قلوبنا (رؤيا 3، 20). هذا هو معنى الرؤيا. ولكن اسألوا أنفسكم: كم من مرة دخل يسوع وقرع على الباب ليخرج، ولم ندعه يخرج، لأننا غالبًا ما نكون محاصرين في هياكل بالية لا تهدف إلا لاستعبادنا، لا لأن تجعلنا أبناء أحرارا لله؟ في هذا “الخروج” من المهم الذهاب الى اللقاء؛ بالنسبة الي، هذه الكلمة مهمة جدًّا: اللقاء مع الآخرين. لماذا؟ لأن الإيمان هو لقاء مع يسوع، وعلينا أن نفعل نحن أيضًا ما فعله يسوع: أن نلتقي بالآخرين. نحن نعيش ثقافة المواجهة، ثقافة التجزئة، ثقافة أرمي فيها كل ما لا أحتاجه، ثقافة الإلغاء. ولكن أدعوكم الى التفكير بهذه النقطة- وهذا جانب من الأزمة- بالمسنين الذين هم حكمة شعب ما، وبالأطفال… ثقافة الإلغاء! ولكن يجب علينا أن نذهب للقاء وعلينا أن نخلق بإيماننا “ثقافة للقاء”، ثقافة صداقة، ثقافة نجد فيها إخوة، ونفكر فيها بأن نتكلم مع الذين لا يفكرون مثلنا، مع الذين لديهم إيمان آخر. جميعهم يملكون شيئًا مشتركًا معنا: هو صورة الله، هم أبناء الله. اذهبوا للقاء الجميع، من دون أن نتناقش في انتمائنا. وجانب آخر مهم: مع الفقراء. إن خرجنا من أنفسنا، سنجد الفقر.
اليوم، ومن المحزن قول ذلك، إن العثور اليوم على متشرد ميت بسبب البرد ليس خبرًا جديدًا. اليوم، الخبر، من الممكن أن يكون فضيحة. فضيحة: نع
م! الفضيحة خبر مهم! إن التفكير بالأطفال الذين يموتون جوعًا ليس بخبر!! هذا أمر خطير، خطير جدًّا! لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي! وهكذا لا يمكننا أن نصبح مسيحيين، كهؤلاء المسيحيين الذين يناقشون اللاهوت وهم يشربون الشاي. كلا! علينا أن نصبح مسيحيين شجعان ونذهب للبحث عن الذين هم بحقّ جسد المسيح! عندما أذهب للإعتراف- في الوقت الحاضر لا أستطيع، لأنه لكي أخرج للإعتراف…من هنا…لا يمكنني ولكن هذه مشكلة أخرى- حين كنت أذهب للإعتراف في أبرشيتي السابقة، كان يأتي العديد من الأشخاص وكنت أسألهم السؤال نفسه: “هل تعطون الصدقة؟”- “نعم يا أبانا!” “حسنًا جيد، جيد.” وكنت أسأل أيضًا: “عندما تعطون الصدقة هل تنظرون الى عيني الشخص الذي تساعدونه؟” –”آه، لا اعلم لم ألاحظ أبدًا.”، “وعندما تعطون الصدقة هل تلمسون يد الشخص المحتاج أم ترمون له القطعة؟” هنا تكمن المشكلة: جسد المسيح، لمس جسد المسيح، أن نشعر بألم الفقراء. الفقر، بالنسبة الينا، كمسيحيين، ليس فئة اجتماعية أو فلسفية أو ثقافية، كلا بل هو فئة لاهوتية. وأود أن أقول بأنه الفئة الأولى، لأن الله، ابن الله، تواضع، وجعل نفسه فقيرًا ليمشي معنى في طريقنا. وهذا هو فقرنا: فقر جسد المسيح، الفقر الذي جلبه لنا ابن الله بتجسده. كنيسة فقيرة للفقراء تبدأ بالذهاب نحو جسد المسيح.
إن ذهبنا باتجاه جسد المسيح، نبدأ بفهم شيء ما، نبدأ بفهم ما هو هذا الفقر، فقر الرب. وهذا ليس بالسهل. ولكن هناك مشكلة ليست جيدة للمسيحيين: روح العالم، روح الدنيوية، الدنيوية الروحية. هذا يقودنا الى اكتفاء، الى عيش روح العالم وليس روح يسوع. السؤال الذي تطرحونه: كيف نعمل لنخوض هذه الأزمة التي تطال الأخلاق العامة، ونموذج التطور، والسياسة. كما أن هذه الأزمة هي أزمة الإنسان، أزمة تدمر الإنسان، هي أزمة تعرّي الرجل من الأخلاق. في الحياة العامة، في السياسة، إن لم يكن هناك أخلاق، أخلاق مرجعية، كل شيء يكون ممكنًا وبإمكاننا أن نفعل ما نريد. ونرى حين نقرأ الصحف، كل الألم الذي يسببه غياب الأخلاق في الحياة العامة للبشرية.
أود أن أخبركم قصة. كنت قد أخبرتها مرتين هذا الأسبوع، ولكني سأخبرها مرة ثالثة لكم. تروي القصة عن بناء برج بابل وتقول أنه لبناء البرج، كانوا بحاجة لصنع القرميد. ماذا يعني ذلك؟ يعني جبل التربة، وجلب القش وفعل كل شيء…ومن ثم وضعها في الفرن. وعندما تجهز أحجار القرميد، كان يجب جلبها ورفعها لبناء برج بابل. كانت كل قرميدة ككنز، بسبب كثرة العمل الذي يجب القيام به لإنجازها. عندما كانت قرميدة تقع، كانت تحل “مأساة وطنية” وكان العامل المسؤول يعاقب، كانت القرميدة ثمينة لدرجة أنها إن وقعت أحلّت مأساة. ولكن بالمقابل إن وقع عامل لا يحصل شيء. هذا ما يحصل اليوم: إن انخفضت الاستثمارات في المصارف…مأساة…ماذا سنفعل؟ ولكن إن مات الناس من الجوع، إن لم يملكوا شيئًا ليأكلوه، إن كانت صحتهم سيئة، فلا بأس! ها هي أزمتنا الحالية! وشهادة الكنيسة الفقيرة للفقراء تذهب ضد هذه العقلية.
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية-