الثالوث الأقدس الإله الواحد الحق (2)

الله الآب بحسب الأديان وبحسب يسوع

Share this Entry

يسوع ليس أول من استعمل كلمة “أب” للحديث عن الله. هوميروس في الأوديسيا يسمي زيوس “أب البشر والآلهة”. وفي طقوس ميترا الأسرارية يُسمى الإله “أب المؤمنين”. وتُعلم الـ “ريغ فيدا”، الديانة الهندية القديمة، أن النبات يأتي من اتحاد الأرض الأم (بريثيفي) مع السماء الأب (دياوس بيتا).

هذا وإن الأبوة الإلهية في الأديان كانت تؤدي إلى الحلولية. فالأرض ليست مخلوقة من الإله، بل هي تنبع منه مثلما ينبع النور من الشمس.

لهذا السبب، كان العهد القديم حذرًا جدًا في استعمال “الأبوة” في الحديث عن الله. وعندما يتحدث عن هذه الأبوة فهو يشير إليها بتوضيح ضروري.

التوضيح الأول يربط أبوة الله بالعهد، بالميثاق. فإسرائيل هو ابن الله بفضل اختيار الله له وأمانته للعهد (راجع خر 4، 22 – 23؛ تث 14، 1 – 2).

المعنى الثاني يشير إلى الفداء. فالله هو أب لإسرائيل لأنه يفدي ويخلص شعبه: “أنت، أيها الرب، أبونا، من الأزل دُعيت مخلصنا” (أش 63، 16).

المعنى الثالث يشير إلى الخلق. “أنت يا رب أبونا، ونحن كالخزف بين يديك. أنت تصوغنا، ونحن جميعًا عمل يديك” (أش 64، 7). الله أب بمعنى أنه الخالق الحنون. إن فكرة “الخلق” تنفي كل مفاهيم الحلولية وانبثاق الخليقة من الله، وتقيم فصلاً واضحًا بين الخالق والخليقة.

قلما يتوجه العهد القديم إلى الله فيدعوه “آب” بالصلاة. وعندما يستعمل ذلك، يربطه دومًا بكلمة “رب” للتشديد على سمو الله. نرى مثالاً على ذلك في سفر ابن سيراخ: “أيها الرب، أب حياتي وإلهها…” (23، 4).

هناك أمر لافت في العهد القديم: إن أبوة الله لا تأخذ طابعًا أبويًا حصريًا، بل يستعين الكتّاب الملهمون بصور وخصائص أمومية. فيتم التعبير عن رحمة الله، على سبيل المثال، من خلال الحديث عن الرحم الأمومي (رحميم بالعبرية). إن حب الله لنا هو أمومي، ينبع من الأعماق، هو متجذر بكيانه الأعمق.

حنة باربارا غرل تبين كيف أن الكتاب المقدس يقدم ما لا يقلّ عن 20 صورة أنثوية للحديث عن الله. “مثلما تعزي الأم ولدها، هكذا أعزيكم أنا” (أش 66، 13). لقد أصاب ذلك الطفل الذي أجاب على السؤال عما إذا كان الله أبًا أو أمًا عندما قال: “إن الله أبٌ يحب بقلب أًم”.

ولكن هناك أمر آخر هام: إن كُتّاب العهد القديم، لا يكتفون باستعمال التشابيه الأبوية والأمومية للحديث عن الله، بل يبينون كيف أن أبوة وأمومة الله تتجاوز المحدودية التي تميز هذه الأدوار البشرية. نستشهد بآيتين لإيضاح الفكرة: ” قالت صهيون: ’تركني الرب ونسيني سيدي‘.  ’أتنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى ولو نسيت النساء فأنا لا أنساك” (أش 49، 14 – 15). وأيضًا: “إذا تركني أبي وأمي فالرب يقبلني” (مز 27، 10).

ميزة العهد الجديد

مع العهد الجديد نرى تحولاً جذريًا. يسوع يتوجه دومًا إلى الله بكلمة “آب”. هناك استثناء واحد، عندما يصرخ يسوع على الصليب: “إلهي، إلهي، لِمَ تركتني؟”. ولكن هذا الاستثناء يثبت القاعدة لأنه استشهاد بالمزمور 22.

يتوجه يسوع دومًا إلى الآب بدالة لا سابق لها، ويستعمل كلمة تُستعمل في الإطار البيتي الحميم: “أبّا” (مر 14، 36). لقد انطبعت دالة يسوع هذه في قلب التلاميذ لدرجة أنهم نقلوا الكلمة بالأصل الأرامي حتى في الأناجيل المترجمة إلى اليونانية (راجع روم 8، 15؛ غل 4، 6).

يعلم الناصري تلاميذه النظر إلى الله كأب صالح: “من منكم إذا سأله ابنه رغيفا أعطاه حجرا، أو سأله سمكة أعطاه حية؟ فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون أن تعطوا العطايا الصالحة لأبنائكم، فما أولى أباكم الذي في السموات بأن يعطي ما هو صالح للذين يسألونه!” (مت 7، 9 – 11).

يدعو يسوع تلاميذه لكي يكونوا كاملين ورحماء مثل أبيهم السماوي (راجع مت 5، 48؛ لو 6، 36) الذي “يطلع شمسه على الأشرار والأخيار، وينزل المطر على الأبرار والفجار” (مت 5، 45). ويعلم يسوع تلاميذه أن يتوجهوا إلى الآب بالصلاة بدالة الأبناء قائلين: “أبانا” (راجع مت 6، 9؛ لو 11، 2).

بحق يلخص المؤرخ أدولف فون هارناك النواة الأساسية في المسيحية خصوصًا في “إعلان أبوة الله”.

(يتبع)

لمراجعة القسم السابق من المقالة اضغط على هذا الرابط

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير