رؤية مستقبلية للإعداد للزواج (1)

من خلال أطروحة ” الإعداد للزواج في الكنيسة المارونية ” للأب نجيب بعقليني

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

مقدّمة

هي العائلة، أحد أعمدة المجتمع اللبنانيّ، إلا أنّها تواجه اليوم العديد من المخاطر. وإلقاء اللّوم على الآخرين هو أسوأ من إتّهام الذات. في الإجمال لا يتحمّل قسم كبير من الشبيبة اللّبنانيّة أعباء مسؤولياته؛ والشباب الموارنة المؤمنون ليسوا بحال أفضل. فمن خلال مرافقتي لعدد من المخطوبين في فترة التحضير للزواج، أدركت أنّهم غالبًا ما يفتقرون إلى الجديّة المطلوبة. بالمقابل تتحمّل الكنيسة جزءًا من هذه المسؤولية، لأنّها لا تضع في تصرّفهم مادةً قادرة على الإجابة عن جميع تساؤلاتهم. وهذه الثّغرة الفادحة في التحضير للزواج تسيء إلى المخطوبين، ممّا يهدّد مستقبل العائلة المسيحيّة في لبنان، وبالأخصّ العائلة المارونيّة، ويفرض تغييرًا جذريًا، ودون أيّ مماطلة كي يتمكّن المُقدِمون على الزواج من الاتّفاق على نمط حياتهم الزوجيّة بوعي تام، الأمر اللذي يُلغي فرضيّة نشوء عدد كبير من المشاكل المستقبليّة والقادرة على إلحاق الضرر بحياتهم الزوجيّة.

ركّزت أطروحتي على صيغة تأهيليّة جديدة، تطرح مواضيع وحيثية بالغة الأهمية، إذ تجسّد أُسس الزواج المسيحيّ. الرؤية الجديدة للتحضير لِسرّ الزواج أتصوّر بأنّها أكثر غنى، وتتكيّف بطريقة أفضل مع إحتياجات المزمعين على الزواج على الصعيدين الاجتماعي والروحيّ.

1- هدف الدّراسة.

الهدف الذي سعيتُ إليه في هذا العمل الأكاديميّ، يعتبر بمثابة تحدٍّ كبير خاصةً وأنّه يطمح إلى تحقيق مشروع بغاية الأهميّة. إذ أنّ بعض الموارنة يتزوّجون في الكنيسة لأنّهم لا يملكون خيارًا آخر؛ ممّا يعني أنّ خيارهم لم يكن نابعًا عن قناعةٍ روحانيّة صلبة، قادرة على الصمود أمام جميع التحدّيات. في لبنان، وكما هو معروف تشكّل الطائفة جزءًا لا يتجزأ من الإنتمائين الوطنيّ والدينيّ، وهي بالتالي تحدّد بالنسبة للمواطنين الإطار الاجتماعي والقانونيّ، وعليه، فإنّ مَن يعتقد أنّ بإمكانه تخطّي هذا الواقع فهو واهم. أردت من خلال هذه المقاربة الحصريّة تسليط الضوء على الغنى الروحيّ للزواج المسيحيّ، وعلى قدسيّته، كما وعلى معناه الارتقائي، كما ولفتت إلى التحدّي الكبير الذي سيواجهه مستقبلاً، أيّ الزواج المدنيّ، الذي بدأ يحتلُّ مساحةً وخيارات في تفكير الشباب اللبنانيين، وبالأخصّ المسيحيين. وكي أوضّح وجهة نظري، كان عليّ التوليف بين مُعطيين، متناقضين ظاهريًّا، وهما إستحالة فسخ الزواج المسيحيّ من جهة، والتغيير الحتميّ الذي تسوقه العولمة من جهة أخرى. بالنسبة للمؤمنين، فالكنيسة المارونيّة تتماهى بالبيئة التي تنتمي إليها، ممّا يحدو بنا إلى الإقرار بأنّ التعلّق والتمسّك بأرض الأجداد هو بالضرورة صلابة الإيمان نفسه.

ولكن رويدًا رويدًا، يغدو هذا التماهي شكليًّا ويبتعد بشكل مخيف عن الأصول الدينيّة التي أوجدته. ومن هنا كان لا بدّ من أنجلة جديدة، وإلاّ سندرك أن قدسيّة الزواج لن يكون لها أي معنى.

في هذا السياق، سيعمل التجديد الروحيّ على التعلّق بتعليم الكنيسة، وإبراز الهويّة المسيحيّة الحقّة، وعليه لم يعد من الجائز الاكتفاء بلعب دور صدى الإيمان الذي لا يمكن له الاستمرار إلا من خلال الإقتداء به في المُعاش اليوميّ. وعلى هذا فالأنجلة الجديدة يجب أن تُفعِّل الدّور الرّعويّ في مساعدة المؤمنين، غير الملتزمين على إستيعاب تعاليم الكنيسة.

(يتبع)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الأب د. نجيب بعقليني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير