A Canon Regular of Premontré

A Canon Regular of Premontré

أؤمن – نؤمن .. الإيمان رمز

دراسة في قانون الإيمان المسيحيّ (3)

Share this Entry

عندما نقول في حديثنا اليوميّ : ” أعتقد أن … ” ، نعني بذلك معرفة مبهمة وغير أكيدة . يرى الكثيرون في الإيمان المسيحيّ نوعـــًا من الإعتقاد بصحّة أمور إيمانيّة لا يمكن تقديم براهين عليها . لذلك ، يبدو الإيمان المسيحيّ لكثيرين تصوّرا صبيانيّا وغيرَ ناضج وعجزا خانعــــًا عن الجرأة على استخدام التفكير الشخصيّ . فقبل أن ندخلَ في صلبَ الإيمان المسيحيّ وقانونه ، لا بدّ أن نعرف وندركَ أنّ الإيمان هو موقف وإنطلاق في طريق جديد يبدأ من الله ذاته لتغيير الإنسان من العمق . ونرى في الكتاب المقدّس بداية الإيمان إنطلاقا من أبينا إبراهيم ، فمعه يبدأ تاريخ الله الخاصّ والذي يدعوه الكتاب المقدّس أبــــًا للمؤمنين ( روما 4 : 12) . يقول له الله : إنطلق من أرضكَ وعشيرتك وبيت ِ أبيك إلى الأرض التي أريكَ …. ” . هنا نجدُ كلمة ” إنطلاق ” ، إنه خروجٌ وإتحاد بآخر . ويذكرُ الكتاب المقدّس ” الأرض – العشيرة – الأب ” ، علينا ، عندما نريدُ الإتحاد بالله بالإيمان ، الإنفصال عن الجذور العشائريّة والأرضيّة وترك التبعيّة ، والإرتباط بالله الآخر المختلف ؛ إرتباط بالمستقبل لا بالماضي .

ويذكر الكتاب أيضا بعد ابراهيم ، مريم العذراء . الأمّ التي آمنت وسمعت كلمة الربّ لها . ” مريم تحقّق طاعة الإيمان على أكمل ِ وجه” (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة 148) . الإيمانُ ليس منــــّا ، لكنه نعمةٌ وهبة من الله ، فضيلة فائقة الطبيعة يبثّها الله . يقول القديس توما الأكوينيّ ” الإيمان فعل عقليّ يعتنق الحقائق الإلهيّة بأمر الإرادة التي يُحرّكها الله بالنعمة ” .

يقول الفيلسوف النمساويّ لودفيغ فيتغنشتين (1889 -1951) ” الإيمان بالله معناه أنه لم يتمّ قول كلّ شيء بعد في وقائع العالم . الإيمان بالله يعني أننا نرى أنّ الحياة لها معنى ” . الإيمان إذن ، هو ما يعطينا معنى وصورة في الحياة . (سنرى بعد قليل ما معنى الإيمان رمز) . من يؤمن يسعَ إلى علاقة شخصيّة مع الله وهو مستعدّ أن يصدّق الله في كلّ شيء يكشفه عن ذاته . لكننا لا نقولُ إنّ الإيمان هو تصديقٌ ! كأن يصدّق شخص ما حادثة ما وقعت في الشارع الفلانيّ ونظرها بأمّ عينيه ! الإيمانُ ليس بما يُرى بل بما لا يُرى وإلاّ لا يدعى إيمانـــــًا قط . يقول كتاب Youcat ( التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ للشبيبة) ، يشعر الإنسان أنّ بأن العالم المنظور والسيرَ العاديّ للأمور لا يمكن أن يكونا في أيّ وقت جوهر الوجود . يشعر الإنسان بأنّ سرّا يمسّه . يقتفي الآثار التي تحيله إلى وجود الله ، ويلقي رويدا رويدا الثقة التي تجعله يتحدّث إلى الله ويربط نفسه في النهاية به بحريّة .

إذن ، الإيمان ينبعُ من الحريّة ، ولا يمكن فرضه ولا برهانه مثل النظريّات الجبرية والهندسيّة . وهو ليس أيضا رأيـــــا شخصيّا . فلكلّ واحد منا آراء تقريبيّة وأحيانا أكيدة . لكن الرأي لا يكفي ليقرّر مصيري واختياراتي في المستقبل . فالإيمــــــــان هو مصيريٌّ لحيــــــــــاتي. “الإيمان خـــــــــــــــروجٌ من الذات بحثا عن وجه الله” (المطران يوسف توما مرقس – لاهوت الإيمان) . ويقول أيضا العالم جيريمياس : “الإيمان هو الثقة التي لا يمكن أن تصاب بالخيبة” . نلاحظُ كلمات ” آمن – آمين – أمان – أمين ” ، اللغة العبرية تستعملُ ، للكلام عن الإيمان ، تعبيرين : ” أمان ” ( آمين ) وهي تعني القوة والشيء الأكيد .  يقول الكاردينال جوزيف راتسنجر (البابا بنديكتوس السادس عشر) في كتابه الشهير (مدخلٌ إلى الإيمان المسيحيّ ) : يقصد المسيحيّ من خلال موقفه الإيمانيّ ، الذي يعبّر عنه بهذه الكلمة الصغيرة آمين التي تتضمّن المعاني المتقاربة الآتية ” وثق بــ ” ، ” إتكل على ” ، ” الأمانة ” ، ” الرسوخ ” ، القاعدة المتينة ” ، ” الوقوف ” ، ” الحقيقة ” … التأكيدُ أنه لا يعتمد ، كأساس ، غير الحقيقة التي تستطيعُ ، وحدها ، أن تمنح وجوده معنى”.

” إن لم تؤمنوا ، لن تفهموا ” ( أش 7 : 9) . في الفصل الثاني من الرسالة العامة (نور الإيمان) للحبر الأعظم البابا فرنسيس ، طرحَ موضوعـــًا حول الإيمان والحقيقة (ولقد سبقَ وطرحها الكاردينال جوزيف راتسنجر في كتابه _ مدخل إلى الإيمان المسيحيّ) . ويقول : إنّ النسخة اليونانيّة من الكتاب المقدّس العبريّ ، الترجمة السبعينيّة التي قام به السبعون في الاسكندرية بمصر ، قد ترجمت هكذا كلمات النبيّ إشعياء إلى الملك آحاز . بهذه الطريقة قد تمّ وضع مسألة معرفة الحقيقة في قلب الإيمان . بيد أنّ في النصّ العبريّ نقرأها مختلفة . ففي ذاك النصّ يقول النبيّ للملك :”  إن لم تؤمنوا ، فلن تأمَنوا ” . يوجد هنا تلاعب بالكلمات باستخدام الفعل (‘aman’) ، ” تؤمن ” (ta’aminu) ، والفعل ” تأمن ” (te ‘ amenu) . فالملك ، الخائف من قوّة أعداءه ، يبحثُ عن الأمن الذي يمكن أن يحصل عليه من العهد مع إمبراطوريّة آشور العظيمة . من يقل ” أؤمن ” ، يقل ” أعتنق ما أؤمن به ” . الشركة في الإيمان تقتضي  لغة ً للإيمان مشتركة ، ينتظمُ بها الجميع ويتحدون في الإعتراف الواحد للإيمان .  كانت اللفظة اليونانيّة ( Symballein) التي تعني الرمز ، ضمّ شيئين الواحد إلى الآخر ؛ جمعُهما . تعني نصف الشيء المكسور ” كالخاتم ” الذي كان يقدّم علامة تعرّف . فكانت الأقسام المكسورة تــــُقارَب لإثبات ِ حقيقة بكاملها . وهي علامة تعارف بين الضيف والمضيف ، أو بين الرسول والمرسل إليه  ، أو بين طرفين تجمعُ بينهما معاهدة . بمعنى ، أنّ مجرّد حيازة و
احد من الجزئين يؤلّف إثباتـــــــــًا على الحق في الشيء المقصود ، أو الجدارة بحسن الوفادة . فالرمز ، إذن ، عنصر يستدعي عنصرًا آخر يتمّمه ، بقصد إيجاد دليل للتعارف أو نوع من الوحدة التبادليّة . إنه تعبير عن الوحدة أو وسيلة لبلوغها . لهذا ، فقانون الإيمان رمزًا تدلّ دلالة عميقة على طبيعته الحقيقيّة . ” ليس الإيمان المسيحيّ فكرة بل حياة ، وليس فكرًا ينطوي على ذاته بل تجسّد ، بل روح في جسد التاريخ والمجتمع ، ليس الإيمان المسيحيّ روحانيّة مماثلة العقل بالله ، بل طاعة هو وخدمة ، إنه تجاوزٌ للذات ، وتحرير الذات بفعل الإنخراط في خدمة الوجود الأسمى الذي ليس من صنع يدي ولا من ابتكار عقلي ” (جوزيف راتسنجر) . الإيمان ، قرارٌ شخصيّ ، واستقبال ، وثقة تستدعي سؤالا وتساؤلات وبحث . ويقول هنا القديس توما الأكوينيّ ” إنه في نفس الوقت ثقة وتفكير (بمعنى تمحيص cogitatio) يقصد إمكانيــــّة الإيمان مع طرح التساؤلات . لهذا ، الإنسان البسيط في إيمانه الإعتياديّ ليس مقياسا . الإيمان في جوهره غير مريح لانه يعتمد على ” توتر دائم ” .

مراجع هذه الحلقة :

1- المسيحيّة في عقائدها ، أساقفة ألمانيا ، نقله من الألمانيّة إلى العربيّة المطران كيرلس بسترس ، سلسلة الفكر المسيحيّ بين الأمس واليوم

2- التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة

3 – مدخل إلى الإيمان المسيحيّ ، جوزيف راتسنجر ، ترجمة الدكتور نبيل خوري ، سلسلة الفكر المسيحيّ بين الأمس واليوم

4- الرسالة العامة للبابا فرنسيس (نور الإيمان)

5- لاهوت الإيمان ، المطران د . يوسف توما مرقس ، منشورات كليّة بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت

6 – Youcat ( التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ للشبيبة)

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير