Clay statue of a woman in prayer and meditation

Robert Cheaib - flickr.com/theologhia

فعلُ ندامةٍ مسيحي مؤسَّسٍ على صلاة الـمُتصوِّفة الـمُسلِمَة رابعَة العَدويَّة

القسم الثاني

Share this Entry

المُحَصِّلة:

        يَنتُجُ عمَّا سَبقَ تَشجيعًا للنفسِ التائبةِ على أنها قادِرَةٌ في بعضِ الأحيانِ أن تَحُلَّ، خِلالَ بِضعِ دَقائِقَ، مُشكِلَةً قد تَحتَاجُ مَحكَمَةٌ مدنيةٌ بكامِلِ عَناصِرِها إلى ساعاتٍ إن لم يَكُن إلى سِنينَ لِحَلِّها. وعندَ تركِ “كُرسِيِّ الاعتِراف” تَخرُجُ تِلكَ النَّفسُ مَعتَزَّةً بأنَّها تَمَكَّنتْ من أن تُوصِلَ إلى خَواتيمَ إيجابيةٍ عَمَليَّةَ الـمُصالَحَةِ الهامَّةِ تِلكَ معَ ذاتِها كما معَ الله. تَخرُجُ مُعتَزَّةً بالكِبَرِ النّفسانيِّ الذي تكونُ قد أظهَرَتهُ والحِكْمَةُ التي تَكونُ قد أثبَتَتْها مَهما كانت بِدائيّة. ولكنْ أليسَ لصيغةِ “الحَلِّ” من الخطايا وفعلِ النّدامةِ من تأثيرِ في هذه العَمَليّة القَضائيّةِ والتي هيَ غيرُ كلِّ الـمَحاكِم؟

في “صِيغَةِ الحلّ” (l’absolution) و “فِعلِ النَّدامة” (acte de contrition)

        بما يخص “صِيغَةَ الحلّ” (منحَ الغُفرانِ باِسمِ الكنيسَةِ بأمرِ الرَّبِ يَسوع)، أضَعُ بينَ يدَي الكنيسةِ اقتراحًا بِضرورَةِ مُقاربَةِ الأمرِ من بابين: الأوّل، بابِ الرّحمَةِ، الـمُرتَبِط بِـ”العِقاب” (pénitence) [1] أي فعلِ التَّكفيرِ أو التَّعويضِ، والثاني، بابِ العَدالةِ الـمُرتَبِط بفِعلِ النَّدامةِ (acte de contrition).    

أ‌-    باب الرحمة

        “يَجِبْ[2] على ما يُسمّى “عِقابًا” (pénitence) في هذا السرّ أن لا يَعودَ يُذكَرُ بهذِه التّسمِيَةِ بتاتًا نظرًا لأنَّ غُفرانَ المسيح هوَ غَيرُ مَشروطٍ بِعُقوبات. ألا يَكفيَ النَّفسُ التائِبَةُ ما عانَتهُ في أوقاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ من تَمزُّقٍ داخليٍّ فَرَضتْهُ عَليها عَمليَّةُ الإصغاء للضّمير، ذاك “الغريزة الإلهية”؟[3]  لَقد أَخضَعَتْ النفسُ ذاتَها للمُحاكَمَةِ تَكرارًا، وفي بَعضِ الأحيانِ لسِنينَ طَويلةٍ أرغَمَتْ ذاتَها خِلالَها على التَّواضُعِ حتّى تَوصَّلَت لِلحُكمِ على ذاتِها بِما يَعودُ عَليها من الذَّنبِ والقيامِ، في نِهايَةِ الـمَطافِ، بِسلوكِ الدّربِ أمَامَ أعيُنِ الآخَرينَ نَحوَ كُرسيِّ الاعتِرافِ والـمُصالحَة. ألا يكونُ قد تَأتّى عَن هذه المرحَلَةِ ما يَكُفيَ منَ العذابِ والألمِ النَّفسانِيَّين؟ لنراجع مَثَلَيْ “الابنِ الضّال” و “الـمَرأةِ الزّانيَةِ” ((يو 8، 1- 11)، الـمُحَرَّرَةِ من أهوالِ عَذابها النَّفسيّ والتي غَسَلَتْ أقدامَ محُرِّرِها بِشَعرِها أمامَ الجَمْعِ سَاكبةً عَلَيْها أغلى العُطورِ مُستَثيرةً حَفيظَةَ “يوضاس”.(يو 12، 1-8)

        انطلاقا من هذه القناعة، واستنادا إلى حبِّ المسيح غير الـمَشروط، يجبُ على ما يُسمّى “عقوبة” (pénitence) في “سرّ التوبة” هذا أن يَزول. إنَّ شَيئًا منَ العُقوبَةِ الوَحيدَةِ الـمُمْكِنَةِ (وهذا بالـمَعنى الـمَجازي) هيَ ما تَرَكَهُ لنا الرَّبُ يَسوعَ في إنجيلِ “المرأَةِ الـمُخلّصة من الرَّجْمِ”  و هيَ: “ٱذهَبي ولا تُخطِئي بعدَ الآن”. (يو 8، 11).  أمّا بِخصوصِ ما يتَرَتَّبُ على “الـمُصالحَةِ” مِن أفعالِ غُفرانٍ واستِغفارٍ، وعِندَما يَقتَضيَ الأمرُ – أفعالَ التّعويضِ الماديِّ والـمَعنَويِّ التي أَصابَتِ الآخرَ أو الجَماعَة، فَتَجِدُ كلُّها ركيزتَها في مُستَوى البُلوغِ عِندَ النَّفسِ التّائبةِ وتَجاوُبَها بفِطنَةٍ، معَ رَحمَةِ الرَّبِ الـمَكْنونَةِ في تِلكَ الكَلِماتِ الـمُقَدَّسَةِ الّتي تَأمُرُها بِعَدَمِ “الخطأ بَعدَ الآن”.[4] ولا شَيءَ يَمنَعُ استِشارَةِ الكاهنِ، فالشَّورى هيَ مِن مواهِبِ الرّوح.

        إن دخولَ النفسِ الـمُؤمِنَةِ مَرحلةَ البُلوغِ بِواسِطَةِ الصّلاةِ والإرشادِ الرّوحيَ الـمَسؤولِ تَبقى الـمِفتاحَ لِاختِمارِها وشَهادَتِها الحَقيقيَّةِ لرَحمَةِ الرَّب: تصبحُ النّفسُ صَادِقَةً ورَحومَةً متى ما عُومِلَت بالصِّدقِ والرّحمَةِ مُنذُ طُفولَتِها

ب‌-           بابُ العَدالةِ

        في سياقِ ما سَبَقَ من مُقَوِّماتِ “سِرِّ الـمُصالحةِ” تَتَحَقّقُ العَدالةُ بالمبادَلَةِ بينَ صِيغةِ “الحَلِّ” من الخَطايا وصيغَةِ “فعلِ النَّدامَةِ”.

        أما من جِهةِ صيغةِ “الحَلِّ” فبِصفَتِها مُقتبسةٌ من غُفرانِ السيّدِ المسيحْ في الإنجيلِ، بِخاصَّة غُفرانِهِ لـ “الـمُقعَد”،(مر 2، 1-12 ) والسُّلطانِ الذي حمَّلَ مَسؤوليَّتَهُ للكنيسَةِ بِشَخصِ بَطرسِ الرَّسول: “من غَفَرتُم لهُ… غُفِرَت” (يو 20، 23)، فهيَ شامِلةٌ لكلِّ الخَطايا ولا تُشكِّلُ في أيّ حالةٍ من الحالات انتقاصًا لـ”العدالة”. لذا سنُسَلِّطُ الضّوءَ على فِعلِ النَّدامَةِ لنُساهِمَ في جَعْلِهِ أكثَرَ بُنيانًا لشَراكةٍ عادلةٍ مع المسيح الذي منه وفيه كلُّ غُفرانٍ وعَدالة.

        أننا نجدُ في لبنانَ، ونَقصِدُ الكنيسةِ المارونيةِ حصرًا، عِدَّةَ صِيَغٍ للنّدامةِ مُتَأتّيةٍ من تقاليدَ فُرِضَت مع الزّمنِ مِن قِبَلِ الإرسالياتِ، أمّا اليَوم فالـمَدارسُ مع مجموعاتِ التّحضيرِ للقُربانةِ الأولى في الر
ّعايا هيَ من يقومُ بذلِكَ.  فَلنتوقَّفْ عندَ المقارنةِ بينَ فعلينِ للنّدامة: ألفعلِ الرَّسميِّ التَّقليدِيِّ الـمُلقَّبِ بـ “الطّويل” والـمُقتَبَسِ من صيغَةِ لاتينيَّةِ قديمة، وفعلٍ جديدٍ، استُحدِثَ مُنذُ بِضعَةِ عُقودٍ، يُعرَفُ بـ”القَصير”، سَهلُ الحفظِ على الأولاد.
[5] 

 


[1] Acte ordonné par le confesseur pour l’expiation de la peine due au péché

[2]  قد يبدو فعل الأمر هذا وقحا إنما في هذه النقطة بالذات، على ما علم مار بولس، لا يمكن محاباة العواطف والحساسيات…

[3]  جان جاك روسو في قوله الشهير: “Conscience, conscience, instinct divin

[4]  ليس من الواضح في حياة مار بولس إن كان شاهدا عيانا على هذه الحادثة أو قد أطلع عليها وعلى كلمات يسوع خلالها قبل ان يكتب لمؤمني أفسس عن التوبة والمصالحة. (أفس 4، 25 – 32)

[5]  قِلَّةٌ من الإكليروس تَعرِفُ مَصدَرَهُ.

Share this Entry

الأب ميشال روحانا الأنطوني

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير