“فعلُ النّدامَةِ” المُقتَرَح
- ، لِمَن هُم دونَ الحاديَةَ عشْرَةَ من العُمر كما لِلَّذين لا يَزالونَ في خِضَمِّ اكتِشافِ الذّاتِ والتَّعرُّفِ على رَحمةِ الله:
“رَبّي وإلهي، أنا نادِمٌ (ةٌ) على جَميعِ خَطايايَ لا خَوفًا منَ الجَحيم ولا طَمَعًا بالنَّعيمِ بلْ حُبًّا بِكَ. وأقصِدُ أن أهرُبَ مِن كلِّ سَبَبِ خَطيئَةٍ وأن أَفِيَ بِقدْرِ استِطاعَتي عن الخَطايا التي فَعَلتُها”. آمين.[1]
- ، لِمَن تَقَدَّموا بالبُلوغِ في إدراكِ ذَواتِهِم ومَعرِفَةِ الـمَسيحِ وحُبِّهِ الشّخصِيِّ لَهُم:
“رَبّي وإلهي، أنا نادِمٌ (ةٌ) على جَميعِ خَطايايَ لا خَوفًا منَ الجَحيم ولا طَمَعًا بالنَّعيمِ بلْ حُبًّا بِكَ. وأقصِدُ أن أهرُبَ مِن كلِّ سَبَبِ خَطيئَةٍ فلا أُجرِّبُكَ فيما بعد. وأن أَفِيَ عن خَطاياي بالقَدرِ والشكلِ اللذين انت تُريدهما، يا من تحيا وتخلّص إلى الأبد. آمين.
- ْ، وهوَ دائمًا مَبنيٌ على الأساسِ نَفسِهِ إنَّما تَختارُهُ طَوعًا النّفوسُ البالِغَةُ شأنًا مُتَقَدِّمًا بِحُبِّ المسيح، والـمُدركِةُ مَسؤوليَّتَها عن حَملِ رِسالةِ الخَلاص:
- رَبّي وإلهي، أنا نادِمٌ (ةٌ) على جَميعِ خَطايايَ لا خَوفًا منَ الجَحيم ولا طَمَعًا بالنَّعيمِ بلْ حُبًّا بِكَ. وأقصِدُ أن أهرُبَ مِن كلِّ سَبَبِ خَطيئَةٍ فلا أُجرِّبُكَ فيما بعد، وأن أَفِيَ عن خَطاياي وعن خَطايا مَن وَهبتَهُم لي (يُذكر الأشخاصُ صمتًا أو عَلنًا) بالقَدْرِ والشّكلِ اللّذَين أنت تريدهما يا ربّي وإلهي، فأ شرِكني بصَليبِكَ، أَحمِلُه مَعَكَ، بِكُلِّ إرادَتي، بشَفاعَةِ والِدَتِكَ مريَمِ العَذراء و(جميع القديسين أو شفاعة قديس خاص) يا من تحيا وتُخلّص إلى الأبد. آمين“.[2]
في ضَوءِ هذا النَّوعِ من الاعترافِ وأفعالِ التَّوبَةِ الخَلاصيَّةِ والوَعدِ الصّادِقِ الـمُمْكِنِ تَطبيقُهُ، نورِدُ بعضَ الأفكارِ عن البُلوغِ الروحيِّ وروحِ الـمَسؤوليَّةِ تُساعِدُ على تَوضيحِ رَبطِ فِعلِ النّدامةِ الثاّلثِ بِمن يَستَحِقُّ أن يحمِلَهُ منَ النّفوسِ التي وَلـَجَتْ إلى بعضٍ من عُمقِ الـمَلَكوت.
البلوغُ الروحيُّ وروحُ الـمَسؤوليَّة
إن النفسَ التائبةَ التي تُبدي بُلوغًا “أسراريًا”، أَيْ مَعرِفَةً وإدراكًا كافيَينِ لعُمقِ “سرِّ الاعترافِ” وأَبْعادِهِ الخَلاصيَّةِ، يُمكنُ تَشجيعُها على عدمِ الاكتِفاءِ بِحَملِ صَليبِها إنَّما على تَخطّيهِ لـمُشاركةِ المسيحِ بِحَملِ صَليبِ الآخَرينَ (إراديا وليسَ – سُخْرَةً – على مثال القَيروانيّ) وذلِكَ من خِلالِ أن يُحَمِّلَ القَلبُ التائبُ ذاتَه خَطايا بعضٍ من الخاصّةِ البَعيدينَ عن الـمُمارَسَةِ، ومَن هُم مِن “ألَدِّ الأعداءِ للمرءِ” (مت 10، 36)، أبناء وبنات الرعيّة متى كان التائبُ كاهِنًا أو مُكَرَّسًا، إلخ. يُمكنُ أيضًا الحَمْلُ بالخطايا التي لا يَحمِلها آخرونَ، أي بحمل خطايا الأعداءِ واللاعِنين والـمُضْطَهِدين (لو 6، 27-28 و 35-36؛ مت 5، 43-44) وذلكَ بموجبِ طلبِ المسيحِ في السَّعْي نحو كمالِ أبيه (مت 5، 48) وتَحقيقِ الـمَلَكوت.
إنَّ المرجوَّ من هذهِ التَّقوى التَّشارُكيَّة (de partage) والإخْلائيَّة للذّات (kénotique) و”الأُخْرَويَّةِ” بامتيازٍ ((altruiste هو، بنِعمَةِ الرّوحِ القُدُسِ التي تَحِلُّ مع غُفرانِ المسيحِ على كل “مُـخلَّعٍ” وعلى “حامليه” أيضًا (مر2: 1- 12)، ارتدادُ النُفوسِ الـمُعانِدَةِ وإقبالها بدورها على الـمُصالحة… بهذا الصّدَدِ كَما في حالةِ الصّلاة للاِرْتِدادِ العّام لِلخَطَأة، يَدعو الكاهِنُ النّفوسَ التائِبَةَ، في خِتامِ كُلِّ “اعتِرافٍ”، أن تُقَدِّمَ مرةً “أبانا وسلام”، أو مَسبَحَةٍ كامِلةٍ، أو أن تَقومَ بِأعمالِ رَحمَةٍ أو قِراءَةٍ مَقطَعٍ من الكتابِ الـمُقدَّسِ على تِلكَ النيَّةِ على أن يَضُمَّ هوَ أيضًا نَواياها إلى نَواياهْ في قُدّاساتِه…
إن هذا النوعَ من الفروضِ التعويضيَّةِ، المـــضوعيَّة، السامِيَة،[3] والـمَدْعومَة بسينِرجْيا[4] الـمُشاركَةِ بينَ النّفوسِ التّائِبَةِ والكاهنِ والروحِ القدسِ في الوقتِ نفسِه، تَتَخَطّى فِكرَةَ “فعلِ التّعويضِ الفَرديِّ بِمَعنى “العُقوبَةِ” لتُصبِحَ رسالةَ تَضَرُّعٍ رَحومٍ مُحرِّرٍ ومُنَمٍّ بِروحِ الـمَسؤوليّة.
لَكَمْ يُبدي الكاهنُ من “كِبَرٍ روحيِّ وعُمقِ إدراكٍ لكَهنوتِهِ عِندَما يُطَبِّقُ هذهِ الأمور على ذاتِه. إنَّ لِـسرِّ الاعتِرافِ الـمَعيوشِ بشُموليَّتِهِ – أي من مُقعَدِ الإنجيلِ وحامِليهِ والمسيحِ و”أُمِّهِ وإخْوَتِهِ” حَتّى آخرِ كاهنٍ و نَفسٍ تائبَةٍ – رِسالتَهُ التَّبشيريَّة التي لَطالما أثَّرت بالناسِ أكثرَ من ألفِ عِظَةٍ وعَملٍ خَيريٍّ.
فَلنُتابِعْ تَوضيحَ ماهِيَّةِ تِلكَ الرِّسالَةِ الـمَبنِيَّةِ على
التَّراحُمِ والإخْلائيَّةِ والأُخْرَويَّةِ والشّراكَةِ، وبِرَبطِ فِعلِ النّدامَةِ الثّالثِ بِمَنْ يَستَحِقُّ حَملَهُ من النّفوسِ التي وَلَجَتْ عُمقًا مُعَيَّنًا من الـمَلَكوت.
[1] إن عُدنا لِلمُتصَوِّفة رابِعَة العَدَويَّة فتُفيدُنا عَن فِعلِ نَدامةٍ على فِعلِ النَّدامَةِ عندما لا يكونُ الفِعلُ صادقًا فتقول: أستَغفِرُ اللهَ من قِلَّةِ صِدقي في قَولي: أستَغفِرُ الله. (المرجع نغسه: شهيدةُ العشق الإلهي)
[2] إن سرّ الاعتراف لا تنقص نعمته عن نعمة سرّ القربان بالمناولة، لا بل هو أساس لا بد منه لصحّة المناولة. عليه يعتقد البعض أنه بإمكانه تقديم القداس فقط على نية أشخاص يخصونه وبأنه من غير الوارد أن يُقدم “الاعتراف” أي “سرّ التوبة والمصالحة” بشكل عام على نية أولئك الأشخاص أو غيرهم. تجد هذه النقطة مرجعا لها في سفر أيوب البار يُثبت أنه من المسؤولية الكُبرى أن يُقدِّمَ الإنسان كفارة عن خطايا من وهبه (ها) أياهم الله: ” كَانَ أَيُّوبُ يَسْتَدْعِي أَبْنَاءَهُ وَيُقَدِّسُهُمْ، فَكَانَ يَنْهَضُ مُبَكِّراً فِي الصَّبَاحِ وَيُقَرِّبُ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ قَائِلاً: «لِئَلاَّ يَكُونَ بَنِيَّ قَدْ أَخْطَأُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ» (أيوب 1؛ 5). ألا يكون التوبة على نية توبتهم أفضل “محرقة”؟
[3] لأنها مجانية بالمطلق إذ قلما يعرف الخروف الضّال بأن هناك من يقدم ذبائح روحية مكلفة جدا عنه
[4] السّينِرْجْيا: لا يفي بمعناها عبارة “تعاون” إذ هي تعني، بحسب تحليلنا المعمّق لها في ضوء مجموعة Universalis وغيرها من المراجع الأجنبية، “الطاقة الإضافية التي تنتج عن التعاون وتضافر الجهود بين أعضاء متعدّدين مع توفير أقصى باستهلاك القدرات”. المثل الذي تعطيه Universalis هو حركة عضلات كتف الإنسان عندما تؤدي عملا بتناغم وتناسق وتزامن متكامل مع بعضها دون أي عائق فتأتي بنتيجة فوق العادة، أي ما بعد الكمال المُمكِن في الحالات الأخرى… (مثلا محمد علي كْلايْ في الملاكمة، “Pélé” في ما يخصّ عضلات القدم إلخ.). ، كذلك وبمعنًى كنسيّ تكون النتيجة الصادرة عن تضافر القوى والجهود بين المسيحيين، فتأت حركتهم الشمولية بما هو بعد النتائج الطبيعية للتعاون بين البشر، أي تأتي بالأعجوبة… فكيف بهم إن أدركوا حضور الثالوث الألوهي بحبه الكامل معهم والذي، بنعمة بالتجسّد، جعل منهم “آلهة”؟.