عندما نقولُ ” نؤمنُ ” ، يجب أن نكونَ فاتحين أيدينا وأرجلنا ، قلبنا وعقلنا ، إرادتنا وفكرنا ، وعواطفنا للذي نؤمنُ به . ومن يقل ” أؤمن ” ، يقلْ ” أعتنق ما نؤمن به ” . فإعترافنا بالإيمان يبدأ بالله ، لأن الله هو ” الأوّل والآخر ” (أش 44 : 6) ، بدء كل شيء ونهايته .
يقول كتابُ التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة في الفقرة200 : ” الإعترافُ بوحدانيّة الله ذات الجذور في الوحي الإلهيّ في العهد القديم ، لا يمكن فصله عن الإعتراف بوجود الله ، وهو أساسيٌّ مثله أيضا . لا يوجد إلاّ إلهٌ واحد : الإيمان المسيحيّ يعترف أنه لا يوجد إلاّ إله واحد ، واحدٌ بطبيعته ، وجوهره ، وإنيـــّته .
الله كشفَ عن نفسه لإسرائيلَ مختاره على أنه الوحيد : ” اسمع ، يا إسرائيل ، إن الربّ إلهنا إلهٌ واحد ، فأحبب إلهكَ بكلّ قلبك وكلّ نفسك وكلّ قدرتك ” (تث 6 : 4 – 5). يسوع نفسه يُثبت أنّ الله هو ” الربّ الوحيد ” وأنه يجب أن يُحَبّ ” بكلّ القلب والنفس والقدرة ” . وفي هذا الصدد يقول مجمع اللاتران الرابع فصل 1 في الإيمان الكاثوليكيّ : ” نحن نؤمن إيمانا ثابتـــــًا ، ونثبت ببساطة أنه يوجد إلهٌ واحد حقيقيّ ، غير محدود وغير متغيّر ، وغير مُدرَك ، كليّ القدرة ، وفوق كلّ تعبير ، آبٌ وابنٌ وروحٌ قدس : ثلاثة أقانيم ، ولكن إنيّة واحدة ، وجوهرٌ واحد أو طبيعة كليّة البساطة ” .
لماذا نؤمن بإله واحد لا أكثر ؟ نؤمنُ بإله ٍ واحد لأنه حسب شهادة الكتاب المقدّس لدينا إلهٌ واحد ، وحسب قوانين المنطق لا يمكن أن يكون إلاّ إله واحد لا غير . فإن وُجد إلاهان عندئذ يكون أحدهما حدّا للآخر ، ولا يكون أيّ منهما لا متناهيا ، ولا كاملا ، ممّا يعني أنه لا يكون أيّ منهما إلها . إن اختبار الله الأساس في العهد القديم هو : ” اسمع يا اسرائيل ! يهوه ، إلهنا ، يهوه هو واحد “(تثنية 6 : 4) . وقد دعا الأنبياء بشك دائم إلى الإبتعاد عن الآلهة المزيّفة والتوبة إلى الإله الواحد : ” إني أنا الله ، وليس من إله آخر ” (اشعيا 45 : 22) .
إيماننا المسيحيّ يعلّمنا أننا نؤمن بإله ٍ واحد لا بثلاثة آلهة . نؤمن بإله واحد بثلاثة أشخاص (سرّ الثالوث) ” الله ليس عزلة بل شركة كاملة ” (بنديكتوس السادس عشر) . فلا يعبد المسيحيّون ثلاثة آلهة مختلفة ، بل جوهرًا واحدًا ، يتفرّع عنه ثلاثة ، ومع ذلك يبقى واحدًا . أن يكون الله ثالوثـــــًا ، هذا ما نعرفه من خلال يسوع المسيح ، وهو الابن يتكلّم عن أبيه في السماء (أنا والآب واحد ، يوحنا 10 : 30) . يدعوه ويهبُ لنا الروح القدس الذي هو محبّة الآب والابن . لذلك نـــــُعمّد ” على اسم الآب والابن والروح القدس ” (متى 28 : 19) . ويقول القدّيس أوغسطينوس :” حيثما يكون الحبّ موجودًا يكون الثالوث موجودًا . فهناك المحبّ ، وهناك المحبوب ، وهناكَ مصدر الحبّ ” .
لهذا ، فعندما نـــُسأل عن إيماننا بالله الواحد – الثالوث ، هل يمكننا أن نستدلّ منطقيّا على أنّ الله ثالوث ؟ يجيبُنا كتاب التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ للشبيبة youcat : كلا . ثالوث الله ، سرٌّ . إننا بيسوع المسيح وحده نعرف أنّ كيان الله ثالوثيّ .. البشر لا يمكنهم بوسائل عقلهم الخاصّ أن يستدلّوا على كيان الله الثالوثيّ ، إنمّا يدركونَ ” عقلانيّة هذا السرّ ” عندما يقبلونَ إنكشاف الله في يسوع المسيح . إن كان الله وحيدا منعزلا ، فمن غير الممكن أن يحبّ منذ الأزل . بفضل نور المسيح نجد في العهد القديم (تكوين 1 : 2 ؛ 18 :2 ؛ 2 صمو 23 : 2 ) ، وحتى في الخلق كلّه علامات عن ثالوثيّة الله .
يتبع
مراجع هذه الحلقة
1 – التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة
2 – المسيحيّة في عقائدها ، أساقفة ألمانيـــــــــــا ، ترجمة المطران سليم بسترس
3 – Youcat التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ للشبيبة
4 -مدخل إلى الإيمان المسيحيّ ، جوزيف راتسنجر ، ترجمة الدكتور نبيل خوري