“عندما تكثر الأفراح والأتراح، يصبح من الواجب تسليط الضوء على دور المؤمن في كل منها… ففي الحالة الاولى نرى الجموع تحتشد وتطلق المرفقعات النارية الضخمة، وتستعين بالفرق الموسيقية أو الزّفات التي لا تشبه ثقافتها في معظم الأحيان، وتتسابق على المواكب السيارة وتتنافس على الملابس الفاضحة (حتى داخل حرم الكنائس)، والسهرات الباهظة التي تبدأ بقروض مصرفية والله أعلم أين قد تنتهي…
أما في الحالة الثانية فأصبح جثمان الراحل يوضع داخل الكنيسة وتجلس عائلته في صالونات الكنائس لتقبّل التعازي، فتُقبل الجموع لتقديم “واجب التعزية”: يمرّ كل فرد خلف الآخر متمتماً بضع كلمات غير مفهومة تكون أحياناً محطِّمة بدل أن توحي بالتعزية، ثم يتلهّى الناس بالقهوة والدخان وأحاديث الساعة بينما يستمرّ أهل الفقيد بتقبّل “التعازي” بحزن ووحدة، إلى أن يأتي موعد الجنازة فحينها يفضّل أغلب “المعزّين” البقاء خارج الكنيسة لأسباب وأسباب، وقد لا يبادر أحد أحياناً لحمل الجثمان إلى مثواه الأخير… فبتنا نلاحظ، مع الأسف، أن شركات لوازم دفن الموتى هي التي تعمل على تأمين من يحمل الجثامين في الجنازات… فأي أفراح هي هذه وأي تعزية؟؟
إن الفرح الحقيقي لا يكمن بالمظاهر التي عددناها آنفاً، إذ أنها قشورٌ تبعد الناس عن جوهر الايمان المطلوب ألا وهو الشهادة على الاكليل او العمادة او غيرها والصلاة من أجل العروسين أو المحتفل بهم، لكي ينجّيهم الرب من مطبات الحياة وصعوباتها. ليتنا ندرك بأننا في كل إكليل نشهد على رباط أبدي لن يفرّقه حتى الموت بذاته، فعسانا نفرح حقاً إن فهمنا ذلك… وبأن أفضل خدمة نقدّمها للفارحين هي الفرح معهم بدل التّلهي بالأمور الخارجية مثل العذارى الجاهلات…
أما المحزون فإنه أحوج ما يكون إلى كلمات الايمان التي تعيد لقلبه المكسور بعض الأمل بقيامة فقيده من بين الأموات، فبدل استعمال كلمات مثل: “هيدي ارادة الله” أو “الله استرد أمانتو” أو “خاتمة أحزانكن” أو التمتمة بدون فهم، لعله من الأجدى لنا أن نستعمل تعابير التعزية الحقّة مثل “المسيح قام” أو “نفسه بالسما” أو غيرها… فالتعزية ليست واجباً بقدر ما هي مبادرة قلبية للوقوف الى جانب المحزون ومواساته، وفي هذا الاطار لن يكون حضور المؤمن فعّالاً إن اقتصر دوره على السلام والأحاديث الجانبية دون المشاركة في رتبة الجناز، فهل هذا هو الحزن مع المحزون؟؟
كلا، وقطعاً كلا وهنا نذكّر بأن الجنازات ليست مناسبات عرض أزياء ولا فرصة لقاء بل هي لحظات وقوف الى جانب من يشعر بالحزن الكبير، فمن يحبّ الآخر يبادر الى تعزيته بكلمات الايمان، والى المشاركة بحمل الجثمان وتكثيف الصلوات لمرافقة العائلة المحزونة والفقيد المنتقل الى احضان الله… فهكذا وهكذا فقط نفرح مع الفرحين ونبكي مع الباكين… ولنخرج من تعلّقنا بالقشور ونعيد النظر بالانسان الآخر كقيمة بشريّة لا كحدثٍ قد يتكرر كل يوم.