في الأيام الاخيرة، وفي مطالعتي للكتاب المقدس بحسب الطقس الكاثوليكي للقراءات اليومية، ومباشرة بعد عيد القيامة المجيدة، وجدت أنه كلما قرأت الكتاب، تيقنت أكثر أن كلامه حق وحياة، لكل الأزمنة والأوقات، ومهما تغيرت وتبدلت الاحوال تجده ملائما ومناسبا لكل الظروف والأوقات.
ففي ظل ما يحيطنا من عواصف خلَفَت في نفوسنا الخوف والقلق والألم، لما تواجهه الشعوب حولنا وما وَلّد لدينا شعورا بعدم الاستقرار والخوف مما قد يحصل، ورجاءنا بأن يبعده الله عنا ويبعده عن اخوتنا من الشعوب العربية حولنا، نجد الكتاب المقدس يُخبرنا بكل هذا وأنه سيحصل، ويُخبرنا كذلك كيف نواجهه وكيف ننجو منه.. وما يلي بعض النصوص عن ذلك:
1. فقد أنبأ الكتاب بخراب واضطهاد ودمار يطال الجميع وخاصة شعب الله، فسيكون لنا ضيق وألم بسبب رسالتنا: “سيُسلمونكم إلا المحاكم، ويضربونكم في المجامع، ويسوقونكم إلى الحكام والملوك من أجلي… سيُسلِم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ابنه، ويتمرد الأبناء على الآباء ويقتلونهم…” مرقس 13: 9 – 13، خراب ودمار يعمّ المنطقة، الأخ يقاتل أخاه، بسبب معتقده أو بسبب أفكاره، انقسم البيت الواحد وحلّت الفاجعة وانسكب الدم..
2. “إياكم أن يُضللكم أحد. سيجيء كثير من الناس مُنتحلين اسمي.. ويخدعون أناسا كثيرين، وإذا سمعتم بالحروب وأخبار الحروب فلا ترتعبوا، لأن هذا لا بد أن يحدث، ولكن لا تكون هي الآخرة” مرقس 13: 5 – 8، وهذا ما يحدث، يأتون أشخاص يتحدثون بلسان الله، يدينون آخرين، يدعون أخرين، يُكوِّنون أتباع وتلاميذ لتنفيذ مطالبهم، مستغلين اسم الله والدين، ليصنعو دينا آخر، لا علاقة له بالسماء، ولا بالله، يحكمون وينفذون أحكامهم بالقوة مستغلين جهل الناس وطيبتهم وحاجاتهم، فيقوم الجار على جاره والأبن على أبيه وأمه، ويبيحون ما لا يُباح وكله لأجل السلطة والكراسي والمال، التي كلنا نعرف أنها ليس من سيادة الله، بل هي وسائل بيد سيد هذا العالم…
كما يخبرنا أن هذا كله بدءُ الأوجاع فقط.. يا إلهي كم هو مخيف ومُقلق.. فما العمل وإلى أين الهرب؟
لا تنتهي هنا النصوص، بل بنهاية كل نص هناك تشجيع ودعم وإسناد، ودعوة لعدم الخوف والثقة والثبات، فالفرج أقرب مما نعتقد، ويخبرنا الرب من خلال كتابه بما علينا أن نفعل حتى نجتاز هذه المحنة… وكما يُخبرنا بمصير الأشرار…
1. “لا تغَر من أهل السوء ولا تحسد الذين يجورون، فهم يتقطعون سريعا كالحشيش، ويذبلون كالعشب الأخضر. توكّل على الرب واعمل الخير تسكن الأرض ويحفظك الأمان…” مزمور 37 (36)، “الأشرار يستلون سيوفهم ليذبحوا السالك سواء السبيل، يُسدّدون سهام قسيهم ليصرعو المسكين والبائس، لكن سيوفهم ترتد إلى قلوبهم، وقسيهم لابد أن تنكسر.. سواعد الأشرار تنكسر، والصديقون يسندهم الرب..”
2. ولكننا نجد أنفسنا ضائعين حائرين خائفين.. كما يقول نبي المزامير: “طالت عليّ السُّكنى مع الذين يبغضون السلام، أنا بالسُّلم أنادي، وهم بالحرب يُنادون” مز 120 (119).
3. ولكن الرب يطلب منا أن نسأله ونُحاكيه ونسهر وفكرنا وقلبنا معه حيث هو عوننا ونجاتنا وحامي شعبه.. “لا يدع قدمك تزل، لأن حارسك لا ينام، لا ينعس، الرب حارس لك، الرب ظل عن يمينك.. يحرسك الرب من كل سوء” مز 121 (120).
4. “اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم…فكم يُحسن أبوكم السماوي العطاء للذين يسألونه؟” متى 7: 7 – 12…. وأعرف أننا نتساءل بيننا وبين أنفسنا أننا طلبنا كثيرا ولم نجد إجابة… هذا لأننا لم نَسِر إلى العمق، لم نفهم بعد فكر الله وطرقه، وصبرنا لا يُسعفنا لمعرفة وقته، فلكل شيء عنده وقت وزمان وحكمة.. وما علينا إلا الصبر والنظر بتمحص وتدبر لكل ما حولنا ولابد لنا أن نجد لمساته حولنا وبداخلنا…
5. فهو خبز الحياة وليس لنا غنى عنه ولا مفر منه، وسنعود كلنا له، الأشرار منا والأخيار لينل كل منا نصيبه الذي أعده له بعدله ورحمته بما استحققناه بأيدينا… وصدقوني.. أنه سيحدث بأقرب مما نتخيل، فالحياة قصيرة أكثر مما نتخيل.. فبالأمس كنا اطفال واليوم شباب وغدا شيوخا تنتظر أن يلفها التراب… فالوقت سراب وخيال يمر خلالنا ولا نشعر.
6. فأما المؤمن هو مؤمن الباطن، والختان ختان القلب.. وبمثل هذه الأزمنة يُختبر ذلك ويظهر معدن كل واحد منا، رومة 2: 17–29
7. “ولذلك لا تضعف عزائمنا، فمع أن الإنسان الظاهر فينا يسير إلى الفناء، إلا أن الإنسان الباطن يتجدد يوما بعد يوم، وهذا الضيق الخفيف العابر الذي نُقاسيه يُهيىء لنا مجدا ابديا لا حد له. لأننا لا ننظر إلى الأشياء التي نراها، بل إلى الأشياء التي لا نراها. فالذي نراه هو إلى حين، وأما الذي لا نراه فهو إلى الأبد.. ونحن نعرف أنه إذا تهدمت خيمتنا الأرضية التي نحن فيها، فلنا في السماء بيت أبدي من بناء الله غير مصنوع بالأيدي” 2 كورنتوس 4: 16 – 18.
8. والله يطلب منا أن: “توبوا إليّ بكل قلوبكم، بالصوم والبكاء والندب، مزّقوا قلوبكم لا ثيابكم” يوئيل 2: 12… ويشفق الرب على شعبه: “ها أنا أرسل إليكم القمح والخمر والزيت، فتشبعون منها ولا اجعلكم من بعد عارا في الامم، بل ابعد عنكم الآتي من الشمال واطرده إلى أرض قاحلة مقفرة.. فيصعد نتنه وتنبعث رائحته الكريهة لأنه ارتكب الفظائع”.
وأر
فع صلاتي وارفعوها معي إلى الله، أبينا ومخلصنا، ليُخلص شعوبنا العربية من هذه الموجة العنيفة التي تجتاحنا، ويوقف سيل الدماء ويهديء القلوب وينور العقول لما هو فيه الخير والمصلحة العامين، ولينقذ انسانيتنا التي تصارع تحت أنقاض المصالح والرغبات الشهوانية، فإنسانيتنا تستغيث وهي تلفظ انفاسها والأرض تئن معنا لوجعنا، كلنا، سواء مسلمين، ومسيحيين وحتى ملحدين، بمختلف طوائفنا، فلا تفرق الأرض ولا الإنسانية بيننا، فيا رب أنقذ أرضنا العربية من هذا التيار الجائر، واحمي بلدنا الأردن لبقى صامدا في وجهه ثابتا متحملا وسندا لكل من يلجأ له طالبا الأمان والسلام.
رجاء أخير، قد تكونوا قد سمعتموه كثيرا، عودوا للكتاب، كتاب الحياة، ففيه كل نبوءة عن زمننا كما فيه كل التعزية والرجاء، ففيه السكينة والأمان وفيه طرق خلاصنا ونجاتنا منه…
فالرب يجري العدل ويقضي لجميع المظلومين.. مز 103 (102).