Saint Hugh of Lincoln Exorcises a Man Possessed by the Devil

WIKIMEDIA COMMONS

شيطان الظهيرة (1 من 3)

الضجر الروحيي بحسب تعليم إيفاغريوس البنطي

 

Share this Entry

مشكلة الإنسان المعاصر هي الافتقار للفرح. لقد اكتشفنا وسائل كثيرة لكي نحصل على اللذة، ولكننا لم نكتشف سر السعادة والفرح. داؤنا الأساسي ليس الشر، بل البؤس. في رياضة روحية تلاها أمام البابا يوحنا بولس الثاني، تحدث كريستوف شونبورن أن الحزن هو شر يصيب الكنيسة كجماعة. وقد قال بهذا الشأن: “أزمة الكنيسة المعاصرة تكمن في أننا لا نؤمن بما فيه الكفاية بالخير الذي يريد الله أن يحققه في الذين يحبونه. نقص إيماننا الروحي والديني هذا كان يُعرف في العصور القديمة باسم “الضجر” (acedia)، أي الخمول الروحي”.

إن سرعة وسهولة الانتقال من الحزن إلى الشر يبين لنا أن هناك تواصل قوي بين ما هو نفسي وما هو روحي في حياتنا. وكان الآباء الروحيون يعرفون ذلك جيدًا، لهذا كرسوا اهتماما خاصًا لظاهرة الضجر. سننظر إلى هذه المسألة في قسمين أساسيين. القسم الأول تاريخي، وننظر فيه في التفكير المنهجي حول خطيئة الضجر. القسم الثاني هو آني وننظر فيه في آنية هذه الرذيلة الخطيرة جدًا.

الضجر الروحي: تعليم إيفاغريوس البنطي

لماذا سمّى الآباء الضجر “شيطان الظهيرة”؟ عادة نفكر بأن الشيطان يهاجمنا خلال الليل. وإلى حد ما، توقعنا لهجومه يجعلنا نكون على استعداد. بينما لا نتوقع هجومًا عندما تكون الشمس في أعلى نقطة في السماء وتنير كل شيء. ولهذا يضحي هجومه غير المتوقع قاتلاً ومدمرًا. فعندما نتوهم أن كل شيء في وضح النهار، يكون هجوم الظلمة الخاطف رهيبًا.

التحليل المنهجي الأول لرذيلة الضجر يعود إلى إيفاغريوس البنطي وذلك في تعليمه حول الأرواح الشريرة الثماني. وهذا التعليم يأتي من قراءة رمزية لكتاب تثنية الاشتراع الفصل السابع. يتحدث هذا الفصل عن الشعوب التي حاربها إسرائيل وقد رأى فيها الآباء رمزًا للشياطين والأفكار الشريرة التي تواجه النفس. الشر الأكبر، بحسب إيفاغريوس هو مصر الفراعنه التي هي رمز الكبرياء. فالكبرياء هو أصل الرذائل. أما الأرواح والأفكار الأخرى فهي: الشراهة، الزنى، الجشع (أو حب المال)، الكآبة، الغضب، الضجر والمجد الباطل”. (تختلف الترجمات نظرًا أنها تنطلق من اليونانية).

ينطلق إيفاغريوس من الرذائل الجسدية ليصل إلى الرذائل الروحية ويبين الترابط بينها. فالشراهة تؤدي إلى الشهوة، والشهوة بحاجة للمال لتحقق مآربها، ومنها يأتي الميل إلى حب المال، وعندما لا يملك الإنسان ما يكفيه من المال ليحقق رغباته يقع في أشراك الحزن، والغضب ومن ثمّ الضجر.

هذه الأفكار (logismoi) تجد أصلها في نزعتي الإنسان الأساسيتين وهما: الرغبة والغضب. الأولى تنبع من الطبع النفسي والثانية من الجسدي. وإلى جانب هاتين النزعتين، هناك في الإنسان العنصر الفكري. هذا وما يُخيف في روح الضجر هو أنه يشمل الأبعاد الثلاثة على حد سواء.

على صعيد آخر، من الجميل أن نفكر في أصل كلمة “ضجر”. فباليونانية ” akedía ” أصل الكلمة يعني “عدم الاكتراث”. وكانت تستعمل للحديث عمّن يهمل دفن موتاه. وفي تطبيق هذه النزعة على البُعد الروحي، نرى أنها تشير إلى عدم اكثراث وعدم مبالاة نحو الحياة الروحية، نحو خلاص النفس.

وبما أن آباء الكنيسة كانوا رهبانًا، فإن تجلي الضجر الأكبر كان في عدم المبالاة نحو حياة الخلوة التي تُعاش في الخلية (غرفة الراهب). فهذا الضجر والملل يتجلى في عدم إمكانية التعايش مع الذات ومع الجهاد الروحي.

أما دواء الضجر بحسب البنطي فهو: الدموع (دموع التوبة)، الصلاة والعمل، الأفكار المناقضة لوسوسات الشيطان، التأمل بالموت والثبات.

سننظر في القسم المقبل بتطور التفكير المنهجي وصولا إلى القديس توما الأكويني.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير