يُقال أن معنى إسم (برنابا) هو ” ابن التشجيع” .
و (برنابا) الذي ورد ذكره في أعمال الرسل كان قد اعتنق المسيحية و جاهد في نشر بشرى الخلاص في العالم زمن الرسل؛ و كان يعزّي الكثيرين في شدائدهم، فلذلك أطلق عليه لقب (برنابا) أي ابن الوعظ و التشجيع بعدما كان اسمه يوسف (1 ع 4: 36). و من المعروف أن برنابا ساعد بولس و كان مصدر تشجيع أساسي له في إرتداده من قاتل لأتباع المسيح إلى شهيد وشاهد عن صدق رسالة يسوع المخلص و إبن الله.
و لكن برنابا هذا، الرسول و صاحب الإيمان الصلب، هو حتماً بريء من كتابة ما يُعرف ب (إنجيل برنابا) المنسوب زوراً له. و أمام هذا التزوير لا بد أنه بإمتياز(إبن التشجيع) لإعادة إعلان حقيقة هذا الكتاب.
تقول قصة “إكتشاف” هذا الكتاب إن راهب يُدعى مارينو كان في زيارة بابا روما، وبينما هما معاً في المكتبة نام البابا،فأخذ مارينو يبحث في المكتبة لتمضية الوقت فوجد إنجيل برنابا، فأخفاه وعندما قرأه اعتنق الإسلام ونشره. وهذا الكتاب، الذي يُجمع العلماء المدققون على أنه لم يكن موجوداً قبل القرن الخامس عشر ، أي بعد موت برنابا بألف وخمسماية عام، يدعي، من جملة ما يدعيه، أن المسيح ليس إبن الله و إنه لم يصلب، بل القى شبهه على يهوذا الاسخريوطي فصلب بديلاً عنه، و إنه أتى مبشراً بمحمد….
عند سؤاله عن الكتاب الذي يرفض حتى أن يطلق عليه صفة (المنحول) يختصر الأب الدكتور جوزيف نفّاع إجابته عما يسمّى ب (إنجيل برنابا) بالتالي:
” أجرى الباحثون دراسات عديدة حول هذا الكتاب وحول مضامينه، فوجدوا فيه عددًا هائلاً من الأخطاء، تؤكّد أنّ مؤلّفه لا يمكن أن يكون الرسول برنابا ولا يمكن أيضًا أن يكون معاصراً ليسوع. حتى أنّ العلماء المسلمين يرفضون هم أيضًا ما يُسمّى “إنجيل برنابا”، معترفين بكمّية الاخطاء والتناقضات الكبيرة الموجودة فيه:
التناقضات.
أذكر هنا أهمّها: من ناحية يحرّم يسوع شرب الخمر، ولكنّنا نجده يقوم بأولى معجزاته، ألا وهي تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل.
– كاتب هذا الإنجيل لا يعرف البلاد التي عاش فيها يسوع ولم يزرها يومًا. فكميّة الأخطاء الجغرافية التي يرتكبها تدلّ على ذلك. مثلاً هو يعتبر أن الناصرة على ضفّة بحيرة طبريّة ؛ مع العلم أنّها بعيدة جدًّا عن أي مسطّح مائيّ.
– الكاتب يجهل أيضًا التاريخ، فهو يعتبر أن بيلاطس كان واليًا عند ولادة يسوع . ولكن الحقيقة أنّ بيلاطس استلم الحكم بعد موت هيرودس الكبير وبعد عزل ابنه أرخيلاوس؛ أي سنة 24 م. كما يعتبر الكاتب أن حنّان وقيافا كانا عظيمي الكهنة في زمن الميلاد أيضًا. إلاّ أنّ حنّان كان عظيم كهنة من سنة 4 إلى 15 . ومن ثمّ قيافا، من سنة 18 إلى 36.
– من أغرب أخطاء هذا الإنجيل أنّ آدم وحوّاء يأكلان تفّاحة . الكتاب المقدّس يقول أن الشجرة التي أكل منها آدم وحوّاء هي “شجرة معرفة الخير والشرّ” (تك 9 :2 ).
ومن المعلوم أنّ هذه الشجرة أُطلق عليها اسم تفّاحة بسبب خطأ في الترجمة اللاتينيّة المسّماة “الفولغاتا”. تجدر الإشارة إلى أنّ القدّيس إيريناوس قام بهذه الترجمة في نهايات القرن الرابع ميلاديّ. من هنا نستنتج مباشرةً أنّ كاتب هذا الإنجيل لا يمكن أن يكون قد عاش قبل القرن الرابع ولا يمكن بالتالي أن يكون الرسول برنابا.
—- هناك خطأ فادح وقع فيه كاتب هذا الإنجيل، يفضح أمره، إذ يقول أنه تمّ إخراج الجنود من الهيكل كما تُدحرج البراميل. المشكلة في كلمة “برميل”.
فبرنابا الرسول لم يكن يعرف البراميل لأنّها لم تكن موجودة في زمانه. أوّل برميل خشبي تمّ صنعه في بلاد الغال حوالي 322 سنة بعد المسيح.
ولم تدخل البراميل إلى الشرق قبل القرن الثاني عشر. كلّ ذلك يدلّنا على أنّ هذا الإنجيل المزعوم ليس قديمًا.
أمّا الخطأ الأخير والأهمّ هو أنّ إنجيل برنابا يتكلّم عن اليوبيل، على أنّه يأتي كلّ مئة عام ؛ في الوقت الذي كان اليهود يحتفلون باليوبيل كل خمسين سنة. ومن المعلوم أنّ البابا بونيفاسيوس الثامن هو من قرّر جعل اليوبيل كلّ مئة عام وذلك سنة 1322 م. من هنا نستنتج أن إنجيل برنابا كُتب بعد سنة 1322 م. أي بعد وفاة ” النبي ” محمد بزمن بعيد. وبالتالي، لا يمكن اعتبار أنّ هذا الكتاب يبشّر به لأنّه كُتب بعد وفاته.
إنطلاقًا ممّا تقدم نفهم أنّ إنجيل برنابا كُتب في القرون الوسطى. لذلك يتّفق رأي العلماء اليوم على أنّه في الأغلب من تأليف الراهب مارينو الذي يدعي إكتشافه. و هذا الراهب كان قد واجه مشاكل مع رؤسائه في الرهبنة، فعمد إلى الإنتقام منهم بتأليفه هذا النصّ وقام هو بإخفائه في المكتبة، ليعود فيّدعي أنّه اكتشفه.”
نختم هذه المقاربة المختصرة ل(إنجيل برنابا) بالقول أن هذا الكتاب كذبة غير متقنة. ويؤكد الدكتور سعادة الذي نقله الى العربية مطلع القرن العشرين ب ” أنه لم يرد ذكر له في كتابات مشاهير الكتاب المسلمين سواء في العصور القديمة أو الحديثة، حتى ولا في مؤلفات مَنْ انقطع منهم إلى الأبحاث والمجالات الدينية مع أن أنجيل برنابا أمضى سلاح لهم في مثل تلك المناقشات. وليس ذلك فقط، بل لم يرد ذكر لهذا الإنجيل في فهارس الكتب العربية عند الأعارب أو الأعاجم أو المستشرقين الذين وضعوا فهارس لأندر الكتب العربية من قديمة وحديثة.”
و لعل أفضل من كشف زيف هذا الكتاب هم كبار علماء المسلمين الذي يقول أحدهم و هو عباس محمود العقاد : ” هذا الكتاب يحتوي على أخطاء لا يجهلها اليهودي المطلع على كتب قومه، ولا يرددها المسيحي المؤمن بالأناجيل، ولا يتورط فيها المسلم الذي
يفهم ما في إنجيل برنابا من التناقض بينه وبين القرآن”.