Latin King

WIKIMEDIA COMMONS

شيطان الظهيرة (2 من 3)

تعليم توما الأكويني

Share this Entry

قبل أن يصل تعليم إيفاغريوس إلى القديس توما الأكويني، مر على يد بعض المعلمين الذين أضافوا خبرتهم وتعمّقهم للمسألة. نذكر على سبيل المثال كاسيانوس الذي حوّل الضجر إلى رذيلة الخمول. وقد أثّر في تعليمه هذا على القديس مبارك، مؤسس الحياة الرهبانية في الغرب.

وقام تلميذ القديس مبارك، البابا غريغوريوس الكبير بصياغة لائحة جديدة للرذائل المميتة فجعلها سبعة. أخرج غريغوريوس الكبرياء من اللائحة باعتباره رأس كل الرذائل والشرور. ودمج الضجر بالحزن. ولكي يصل إلى العدد سبعة أدرج رذيلة الحسد.

قام القديس توما الأكويني بالنظر في هذه التعاليم ساعيًا لكي يدمجها في نظرة موحدة. انطلق المعلم الملائكي من الترابط الوثيق بين الحياة الروحية والحياة الأخلاقية فقام بوصف الضجر كـ “الحزن أمام الخير الإلهي”. فالضجر هو الخطيئة الأولى ضد الفرح الذي يتولد من المحبة. هو بكلمة خطيئة ضد فرح المحبة (gaudium caritate).

بالنسبة لتوما الأكويني، الإنسان خُلق للسعادة. الخبرة الأولى التي يقوم بها الإنسان في مجال السعادة هي خبرة اللذة. من هذا المنطلق يفكر توما الأكويني بالنزعات، فهذه هي الخبرات الأولى والبدائية للسعادة. على رأس كل النزعات نجد الحب. فتوما الأكويني يدهشنا بتفاؤله الأنثروبولوجي إذ يقول أن الحب هو محرك تصرفاتنا كبشر، حتى عندما نفعل الشرور!! ماذا يقصد الأكويني بذلك؟ يقصد أن ما يدفع الإنسان للقيام بعمل ما هو حب شيء معيّن. قد يكون الحب خاطئًا وسيئًا، ولكنه بالواقع حب لشيء ما، ولو لم يحركه حب لشيء لما كان الإنسان ليقوم بأفعاله.

ولكن إذا كان صحيحًا أننا نتصرف انطلاقًا من الحب، كيف يكون أن يقوم الإنسان باختيار الشر؟ وكيف يكون أن يختبر الإنسان الكآبة والضجر في علاقته بالله الخير الأسمى والحب الأسمى؟؟

يجيب توما الأكويني: إن الإنسان يختبر الحزن في علاقته بالله لأنه يضطر أن يتخلى عن خيرات جسدية، زمنية وظاهرية، وهي في ميزانه أكثر ثقلاً من الخير الإلهي، الذي يظهر للإنسان في حالته الجسدية وكأنه أقل قيمة وواقعية من الخيرات الزهيدة التي يركض وراءها. وهنا بالتحديد يندرج الحديث عن رذيلة الضجر. فالضجر يدخل في علاقة الصداقة بين الله والإنسان، علاقة تحمل بحد ذاتها فرحًا عميقًا ولكنها بسبب طبعنا الضعيف والرذيل تضحي جافة، تعيسة وفاترة.

ويبقى السؤال الأخير في هذه المقالة: هل رذيلة الضجر الروحي آنية؟ سنتحدث عن هذا الأمر في القسم الثالث والأخير من المقالة.

 

لمراجعة القسم الأول من المقالة اضغط هنا

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير