كم من المرات نستبعد القداسة عن يوميات حياتنا بحجة أنها غير واقعية، و هي لقلة “مختارة” !!!و كم من المرات نظن أن القداسة سراب و مشروع بات، خاصةً في أيامنا هذه، حلم أو قصة من الماضي تدغدغ الحالمين و لا تخاطب الواقعيين!!!
فالقداسة تقتضي طريق “الكمال”، و في خضم صراعنا مع ظروفنا اليومية حيث نحاول نيل “بعض من حقوقنا” المقضومة يضحى “الكمال” أسطورة!!
فنحن منفين خارج الوطن أو داخله …
“نعيش ” حيث معظم سياسيّينا يتحدثون لكنهم لا يقولون شيئا …
‘وحيث أصواتنا تصوت لكنها لا تنتخب ..
وحيث أكثرية وسائل إعلامنا تشوه الحقائق و تنتحب …
و حيث معظم حاملي الشهادات جهّال،
و حيث كثير من القضاة يعاقبون العدالة محبةً بالمال …
وحيث لا يكافح رجال الشرطة الجريمة لأن معظمهم مشغولون جداّ بحماية مرتكبيها …
و حيث الإفلاسات تصبح عامة بينما الأرباح تُجعل خاصة…
نعم “نعيش” حيث يُجند البشر ليصبحوا في خدمة الأشياء و ليس العكس!!!
فمن أين يأتي “الكمال” ….. نحن بالكاد “نعيش”!!!
قديس اليوم، و معلم الكنيسة برنارد دو كليرفو، يجيبنا بكلمات بسيطة تحمل حقائق عميقة. و رغم أن سنين طويلة مرت على هذا الكلام إلا أن حقائق الله تعلو فوق وقت البشر و هي صالحة أبداً لكل زمان و مكان… فلنسمع:
” أن روح الكمال لا تقوم على تحقيق أمور عظيمة بل على القيام بأمورنا الإعتيادية و اليومية بشكل متقن”.
إذاً المطلوب واقعي، و سره يكمن ب”نعم” مريم، من أحبها القديس برنارد كثيراً حتى سمي بقيثارة العذراء. وقد إتخذها مثالاً فأدرك هو أيضاً فوق صعوبات يومياته، القداسة.
جدد كمريم ال “نعم” بثقة ومحبة و طاعة في بساطة كل يوم وأيضاً في صعوباته… لا بد أنه تصوّر يوميات الناصرة، فلنحذو حذوه:
ككل أم صالحة ها هي تحضر مائدة عائلتها بحب ، تقوم بواجباتها المنزلية بأمانة، حتى أنها تخرج القمامة… و في خضم كل ذلك تحب!!!
هي لم تكن غريبة عن المعاناة فقد عاشت في أرضٍ محتلة ووضعت طفلها في قسوة شتاء بعيد عن دفء البيت أو ما يعادله راحة…هُددت حياة طفلها فهُجرت و أبعدت …نعم! عانت من قسوة القلوب الضالة حتى أقدام الصليب و آلامه المرّة، إتشح قلبها بالحزن الأعمق و إبنها بين يديها شهيد الحب، و كانت صابرة… و في وسط كل ذلك كانت تصلي، وتعود بأمانة الى عملها اليومي، ففي “طريقها الصغير” لا تعقيد ولا أساطير فقط أمانة في الأمور الإعتيادية و كمّ من الحب الكبير و الثقة بالرب القدير!!!
لقد تعلم القديس برنارد أن امور العالم واهتماماته وانشغالاته ومشاريعه قادرة ان تحطم اي إنسان كان…. لذلك فالمطلوب هو وضع الله كصخرة نبني عليها أمانة يومياتنا! و كيف السبيل الى ذلك: ببساطة العذراء،نعيش في حضرة الله ، تحت شعار: “الله يراني أقوم بيومي”!!!
فقط حينها تصبح ميولنا تخاطب السماء وأعمالنا و أقوالنا كما أفكارنا تمجد الله و ليس العالم. وبترياق الأسرار(أسرار الكنيسة) نسير بأمان و أمانة دروب البر…
التفرج من الشرفة لن يوصلنا بعيداً: ” تَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي” يقول الله على لسان إرميا النبي… فعلّنا اليوم، نأخذ بنصيحة القديس برنارد و لنختبر كيف أن نعمة الله تحوّل اليوم العادي الى يوم الرب، فنحن في العالم و لكن لسنا من العالم…
اليوم، علّنا نقدس يومنا العادي.