نعيش في عالم مخدَّر. ناسه يختبرون على مدار الساعة ما يصلح تسميته ب ” ظلام الظهر”.
فهو عصر المتعلمين الغير “مثقفين” و عصر “المتنورين” الغير مؤمنين و عصر السياسيين الغير “مسؤولين”…. المخدِّر فيه على أنواع شتى، و الأدهى أن أكثرها يقع تحت تصنيف ال “شرعي”!!
ففي عصر الإنتاج الذي لا يتوقف: لا ضرورة أكثر من العمل!! ولكن،غالباً ما تكون “إنشغالات” إنساننا “عقدة عاطفية” ،على ما يقول توماس مور… فأهلاً الى عالم “مدمن” على العمل الذي أضحى مجرد وسيلة لتحقيق المال و السلطة بهدف إثبات الذات إلى آخر أو تجنب “المشاعر الصعبة” … لتصبح “إنشغالاتنا” تشغلنا حتى عن أنفسنا!!!
وبما تبقى من الوقت، نستعمل غالبية صرخات التكنولوجيا كوسيلة فصل لا وصل بين بشر يهلل عالمهم لآثامه العنيدة فيما يبقى ندمه جبان…. يخوض عالمنا “المتقدم” طريق الوحول، في تشريع إجهاضٍ و موتٍ رحيم و مثليةٍ جنسية، فيما تغرق “عوالمنا الثالثة” في ظلام العوز و الإرهاب… والكل يعاني ولكن يصر على الإعتقاد أنه لا ثمن لخطاياه…
وعلى وسادة الشر يهدهد الشيطان الحواس، وفي كل يوم يهبط عالمنا ليقترب خطوة من جهنمٍ لا يؤمن بوجودها… و كل ذلك مجدداً دون تقزّز: فهو يهوى أن يتناسى أنه مع هوائها و أهوائها يتسلل الموت إلى رئتيه!!
نعم، العالم مخدر… فاقدٌ للوعي!! يتوهم لحظة ” كسوف ” في النور الالهي و يريد تخليد ظلمتها!!
“هلموا: نوقظ العالم من سباته”!!!
هي صرخة قديسة الأرض التي فيها صارت الكلمة بشراً… هي صرخة مريم ليسوع المصلوب، تستنهض الهمم!!!
فإذا كنا نؤمن أن مسيحنا هو الحقيقية، فهذا كفيل أن يغيّر كل شيء، كل العالم!!! هي كلمات المسيح الأخيرة لنا في الكتاب المقدس: “ها أنا أصنع كل شيء جديدا.” (رؤيا 5:21) !!!
أن من يلتقي سيد التاريخ الذي قسم زمننا الى “ما قبله” و “ما بعده”، لا يمكنه إلاّ أن يتغيّر و يغيّر…. هذا ما أدركته مريم، وقد أرادت أن تُشرك في فرحة لقائها السيد جميع سكّان الأرض…. ولكنّهم نائمون لا يبالون!! فأخذت تصرخ:
“أماه، جميعُهم نائمون
الله كلُّه صلاح
الله الكبيرُ المستحقُّ كلَّ مديحٍ لقد نَسَوْه
لا أحدَ يفكِّرُ فيه
انظروا، الطبيعةُ تسبِّحُه
السماءُ والنجومُ والشجرُ والعشبُ وكلُّ شيءٍ يسبِّحُه،
والإنسانُ الذي يعرفُ نعمَه والذي يجبُ أن يمدحَه نائمٌ لا يراه
هلمّوا نوقِظ الكونَ من سباتِه”.
في نشيد فرحها و محبتها: قوة إيمان و رجاء، نحن اليوم، بأمس الحاجة لها…فهل لنا الى ذلك سبيل؟!
علينا أولاً أن ندرك أن الأمر ليس مرتبطاً بقوتنا الذاتية إنما بإنفتاحنا على قوة الله، و على عمل روحه القدوس الذي كان سر قوة “زنبقة فلسطين”!! بكلماتها تدعوه:”فرحها،سلامها،قوتها و نورها”… و “من يعرّفها بيسوع”!!!
نعم، نحن بحاجة الى قوة الروح لكي نعي أن أسرار حياة المسيح أبديّة، وهي موجودة أبداً… أسرار متاحة لنا اليوم ومفتاحها الإيمان بهذا الخالق الحاضر أبداً… أو ليس هو “عمانوئيل”؟!= (الهنا معنا)
لكي نوقظ العالم، لا بد أن نكون نحن يقظين… ففاقد الشيء لا يعطيه. لذلك كالرسل الأولين علينا أن ننفتح بقوة الروح القدس على ذاك القائم من الموت ، على ذاك المخلص الشخصي الذي لا يزال كل يوم يخلق و يخلص…
نختبره في حياتنا، نشهد له في كل مياديننا و نساعد على قراءة خلاصه بالتاريخ الشخصي لكل من يلتقي بنا… لأن فقط به و معه نستطيع أن نبدل وجه العالم النائم على خلاصه، الثابت في سباته!!
اليوم ، فلتكن شفاعة مريم ليسوع المصلوب، محرّك لنا،لنحمل صورةَ الله و نكون علامةَ سرِّه في هذه الأرض، فنوقظها لتعاين النور.