” الله يراني ” في أربع نقاط تأمليّة، تساعدنا في التعرّف على العصب الروحي لروحانيّة الطوباوي اسطفان نعمة الراهب اللبناني، مما تساعدنا في كيفية بناء حقيقة الثقة البنّاءة مع الله ومع الآخرين.
١- “على العمياني”
ثقة بالله لا توصف، إنها ” على العمياني” لازمت الطوباوي اسطفان طيلة حياته الأرضية، فاختبر من خلالها حقيقة الثقة بالله والإستسلام لعنايته المقدّسة، وكيفية مطابقة الفكر والقلب والارادة مع نظرته المقدّسة. فبالرغم ما مرّ به من تجارب صعبة، إلا ان الاخ اسطفان ظلّ راسخا في سلام روحيّ عميق، مستمدا قوته من تلك النظرة الإليهة “الله يراني”.
فما بين قلب وعقل اسطفان والله علاقة تختصرها نظرة كلها محبة. نظرة الله ونظرة الانسان المخلوق، في ثقة حواريّة دائمة.
٢- ثقة لا قلق
ثقة اسطفان بالله جعلته يتحرر من القلق والخوف من الغد والارباك والحنق الخ، فكانت نظرة الله المحبة عصب حياته الروحيّة والإنسانية، فالله الذي عاشه الأخ اسطفان، لا يراه إلا بالحب والرحمة والحنان والعذوبة والفرح والكرم والغفران والامانة والمرافقة والرعاية والاصغاء والاهتمام، تجلى في محبة القريب الصحيحة. فيسوع الرب حاضر في كل شيء، يسمع صلاة اسطفان ويرافقه في عمله ان في الحقل او بالنجارة او بالراحة… إنه إله محب لا ينعس لا ينام، زاد في اسطفان بصيرة داخليّة لكي يفهم بواسطتها يقظة المحبة المتّقدة بالثقة، الله يثق باسطفان وهذا يكفي أما الباقي تفاصيل، قانعة راسخة زادته ثقة معتدلة في نفسه وفطنة وذكاء وحكمة في علاقاته مع الآخرين، جنّبته مزالق الخطيئة.
٣- اسطفان نعمة رجل الثقة
كل من عرف الطوباوي اسطفان ، اختبر فيه هذه الثقة المتّقدة، فكان موضوع احترام لدى الآخرين، لانه عرف كيف يدخل الى الذات، انه مفتاح الثقة، فبقدر ما كان يحب الرب بالقدر عينه كان يزرع اسطفان ثقاقة الثقة من حوله، مربيًّا في نفوس العمال ثقة الانسان الصحيحة التي تبدا :
– باحترام الذات مع الاخذ بعين الاعتبار الضعف البشري وواقع الخطيئة (الخيانة) وتجارب الشرير.
– الثقة بالله وجب ان تكون عمياء، لان الله وحده دون سواه من بامكاننا الوثوق به، لانه الله لا انسان خاطىء.
– الثقة بالآخرين: علينا ان نثق بهم باتزان دون تهور ومغالاة، تحسبا من الوقوع في خطر آفة الإفراط…
الثقة الحقيقية هي ان أضع ذاتي دوما تحت نظر الله لا الناس، لان نظرة الله تحيي اما نظرة الناس فأحيانا كثيرة تخدع ومن الصعب ان تُكتشف من اللقاء الأول لكن “الدرب الطويلي بتكشف العيوب”…
٤- الإفراط والثقة
صحيح ان اسطفان نال ثقة الاخرين، لكنه لم يفرط في الثقة بهم الى حدّ المغالاة، لان خبرته الروحية ساعدته في تجنّب الوقوع في آفة تجرح العلاقات، إنها آفة الافراط، والذي يقع في قبضتها، هو من افقتد الى معايير روحية لم يأخذها بعين الاعتبار: كالإنتباه والتيقظ والمعرفة الصحيحة والدقيقة والمتّزنة والمعتدلة، والمشورة الصالحة!! فعندما تنزلق النفس في متاهات الافراط، ستكون خيبة الأمل بانتظارها، مما تسبب بجراح عميقة، تصعب مداواتها، فعندها يطفو القلق في النفس وتضطراب المشاعر والعواطف، فتقع الضحية في ذهنية الشك بالآخر والريبة، فهناك الكثير من العلاقات كانت بدايتها بريئة ولكنها انتهت بمأسات.
كان اسطفان نعمة يحرص بعلاقاته ألا يقع في أفخاخ الكلمات الرنانة والمغرية، فتراه دوما ينظر بقلبه وفكره وعقله الى فوق، مرددا مقولته الشهيرة “الله يراني”.
اسطفان نعمة، مثل حيّ لعالم العلاقات، يحثنا الى خوض بناء علاقة الثقة الراسخة والعمياء فقط بالله الذي يرانا بمحبة، علاقة كلها استسلام كلّي، التي تنعكس ايجابا على علاقاتنا ونظرتنا على الآخرين، مما تجنّبنا خطر التهور والوقع ضحية الخداع الذي يشبه ب”سيف طلاؤه عسل”.