أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
لنفرح في الرب، لأنه وُلد لنا اليوم مخلّص. اليوم نزل السلام الحقيقي من السماء، اليوم وُلدَ رسول السلام وإلهُ السلام. وما أحوجَنا اليوم إلى سلام حقيقي. الجميل في الأمر أن هذا السلام أتى على يد طفل صغير، ولد في مغارة صغيرة، في بلد صغير، من أم صغيرة. ولأنّ هذا الأمر لم يُسمع به قط، فهو بحاجة إلى صمت وتفكير. صمت يصبح سماعًا وتفكيرًا وصلاةً وأملًا.
ومهما تكُن مشاعرنا وقناعاتنا في احتفالنا بميلاد السيد المسيح، لا بد أن ننظر إلى وجه الطفل الإلهي ونسمع منه هذا السؤال، سؤال يطرحه علينا ببساطة الأطفال وعفويتهم: “من أنا بالنسبة لك”؟ “ما هو المجال الذي تفسحُه لي في قلبك وفي حياتك”؟ آمل أن يختلف جوابنا عن جواب أهل بيت لحم آنذاك: “لا مكان لك في المنزل”. “من أنا بالنسبة لك؟ هل أنا مجرّد ذكريات واحتفالات طفولة جميلة؟ هل أنا فيلسوف ومصلح اجتماعي؟ هل أنا مجرّد داعية للخير والاستقامة في الحياة”؟ كل هذا قليلٌ جدا. الجواب الصحيح على سؤال الطفل لكلّ واحد منا نأخذه من الملائكة الذين بشّروا بميلاده: “اليوم وُلد لكم مخلّص”. مخلّص، هذا هو الجواب. يريد طفل المغارة أن يحمل إلينا الخلاص والفرح. يريد أن يُزيل كلَّ مخاوفِنا، يريد أن يُطمئننا أن الخير أقوى من الشر وأنّ النور أقوى من الظلمة وأن النعمة أقوى من الخطيئة وأنّ المحبة أقوى من الكراهية. يريد أن يُطمئننا أن موجة العنف والقتل والتهميش والتهجير التي يعيشها عالمنا العربي ما هي إلا موجة وستعبر بإذن الله وسنعود كما كنّا، إخوة متجاورين ومتحابّين لا فرق بيننا في الانتماء الديني أو العرق أو اللون أو الجنس، وأنّ “أكرمنا عند الله أتقانا”.
هذه هي رسالة الميلاد لنا في الظروف التي نعيشها. ولكي نفهم عمق هذه الرسالة، ينبغي أن نصمت وأن نفكر وأن نختلي وأن نصلّي. نصلّي أمام كلمة الله المتجسّد الذي أحبّنا كما لم يحبّ أحدٌ لا قبله ولا بعده. فمن الآن وصاعدًا، لا توجد ظلمة ولا صعوبة ولا ألم لا يقوى عليه نور الميلاد. من الآن فصاعدًا لا يوجد جرحٌ في قلب أي إنسان لا يداويه حب المسيح الذي دفع ثمنه على الصليب.
يطل علينا عيد الميلاد هذا العام، وقد أحيينا ذكرى مرور خمسين عاما على الانتهاء من المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، وفيه تم اقرار اول وثيقة عن الحوار الاسلامي المسيحي في العصر الحديث وتدعى وثيقة “في عصرنا”، وما احياء خمسين عاماً، إلا للنظر نحو المستقبل للحفاظ على المنجزات الثقافية والفكرية والتقاربية بين أتباع الديانتين، وبالأخص في بلادنا الحبيبة . وقد افتتحت الكنيسة قبل أيام قليلة سنة يوبيل “الرحمة “، وهي الكلمة الرديفة للمحبة الاخوية، إلا اننا نرى في موضوع الرحمة، ما يحثنا على تعميق العمل الانساني المشترك تجاه كل أخ وأخت يتألمان بسبب الفقر أو المرض أو صعوبات الحياة المتفاقمة. وكعلامة على التضامن الانساني في سنة “الرحمة”، تفتتح مطرانية اللاتين في هذه الأيام، مطعم “الرحمة” بالتعاون مع جمعية الكاريتاس الاردنية الخيرية، وسيقدم وجبات يومية لأخوتنا المحتاجين، ونأمل بأن يسهم بتعزيز العمل الخيري، والتعاون مع كل الجمعيات الخيرية في بلادنا العزيزة.
كلنا أمل في العام الجديد، بأن تزول الصراعات الدموية القائمة في شرقنا العزيز، وأن يعود سكان هذه المنطقة الى تآلفهم ومحبتهم، وأن نشجع مبادرات المحبة الاخوية في كل مجال ، لكي نبقى كما عهدنا العالم دائماً، اسرة واحدة متحابة ومتضامنة، بقيادة سيد البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم.
وكل عام وأنتم بخير
ميلاد 2015
المطران مارون لحام