The mosaic ceiling of the Baptistery San Giovanni in Florence

WIKIMEDIA COMMONS

مَعْمُودِيَّتُك يا سَيِّدَنا

فِي يَوْمِ عِيدِ الظُهُورِ الإلَهِيّ بحسب بعض الطقوس الشرقية

Share this Entry

يوم معموديتك يا سيدنا هو عيد الأنوار ومجد ظهور الثالوث القدوس الفائق التمجيد، حيث عاد إلينا النور الذﻱ أخذناه منذ البدء؛ لكننا سوَّدناه وجعلناه باهتًا بسقوطنا… وها هي الفرصة لإعادة الجبلة لتصير سماوية وتستنير في خط المعيَّة الإلهية… تخرج من سطوة كل ما هو أرضي ومن كل ما يخضع لدائرة الزمن؛ لنذوق عظائم أنوار الثالوث؛ وننزل معك يا مسيحنا إلى النهر لنرتفع؛ كما نزلتَ في تجسدك وفي عمادك وفي نزولك إلى الجحيم… لتُصعدنا معك إلى مجد سماواتك التي انفتحت وانشقّت هذا اليوم. تلك التي أغلقها آدم دونه ودون نسله من بعده؛ حيث أُقيمت الحربة اللهيبية على باب الفردوس… لكن معموديتك اليوم تُبيِّضنا كالثلج وتغسل ضمائرنا الميتة وتطهر حياتنا وحواسنا وتُعيدنا إلى رتبتنا الأولى مع كل الموسومين بها.
في يوم معموديتك يا سيدنا تذكار أسرارك المقدسة وتدبيرك العجيب الذﻱ أكملته لتُعيدنا إلى جمال صورتنا الأصلي. اعتمدت من يوحنا حتى تغسل مَنْ قد تدنس؛ وتُحضر الروح القدس من العلاء وترفع الإنسان إلى السماء؛ بعد أن أظهرتَ برك وقدست ذاتك لأجلنا؛ كي نكون مقدسين في الحق. حَلَّ عليك الروح القدس لأنك لابس جسدنا نحن ؛ حَلَّ عليك لأجل تقديسنا نحن فيك؛ حتى ننال شركة مسحتك وحتى نغتسل نحن فيك وبواسطتك.
وامتدادًا لتجسدك وإخلائك أتيتَ يا سيدنا إلى يوحنا ووقفت وسط الناس وفيما بينهم؛ وقفت وأنت العريس أمام صَديق العريس… الشمس أمام السراج؛ الكلمة اللوغوس أمام الصوت الصارخ؛ السيد أمام الخادم؛ الملك للعبد؛ العريس للإشبين؛ بِكر كل خليقة للفريد في مواليد النساء؛ المسجود له أمام أول الساجدين؛ الديان أمام الأثمة؛ الراعي أمام خروف من القطيع؛ العِرْق والأصل قدام الفَرْخ… هكذا جئتَ لتعتمد… إتضاعك يضيء عظمتك. فأتيت مع الباقين لتعتمد من خادمك الذﻱ لم يكن أهلاً أن يحُل سيور حذائك.
أقبلتَ إلى يوحنا في بساطتك المتناهية ونزلت عاريًا إلى المياة؛ مرتضيًا أن يضع يوحنا يده على رأسك؛ بينما أنت هو الذﻱ فوق كل رئاسة وسلطان. لذلك ارتعدت عناصر الطبيعة وفرّت المياة مذعورة من أمامك.
في يوم معموديتك جئتَ طواعية إلى ضفاف نهر الأردن؛ وأنت خالق الكل مثل المطر والينبوع؛ وإندفقتَ كنهر غامر يفوق كل قياس؛ لأنك نهر الحياة غير المحدود؛ ولأنك مجرىَ المياة الذﻱ يُفرِّح مدينة العلي… أتيتَ وأنت الغمر لتغطس في القليل من الماء!!! أتيت وأنت الحاضر في كل مكان وما يخلو منك مكان. أتيت بمسرتك الصالحة يا سيد الكل؛ وإذ بالبحر يهرُب من أمامك؛ ويرجع إلى خلف؛ عندما نظرك يا خالق الكل؛ لأنك أتيت كطبيب وليس كديان.
أتيتَ لتخلصنا لا لتديننا ؛ وتبلُغ بنا النجاة والخلاص بظهور الثالوث المُحيي… فمن الآن وصاعدًا صارت أبواب السماء مفتوحة؛ وصار روحك القدوس معنا إلى الانقضاء؛ لأنك لم تتركنا يتامىَ؛ بل دعوتنا أبناءً وأحباءً لك؛ ومنك نستمدُّ حضورنا الحاضر والعتيد.
ومثلما رفض بطرس أن تغسل قدميه؛ هكذا صرخ يوحنا بأنه هو المحتاج لأن يعتمد منك. فكيف إذن تأتي أنت إليه؟! لكنهما (يوحنا وبطرس) لم يكونا يعلما ما أنت صانع الآن؛ لكنهما سيفهمان فيما بعد. قبلت المعمودية على يد الأصغر والأقل لأنك تواضعت في ميلادك ومعموديتك وصليبك وتدبيرك بالكلية. غسلتَ أرجل عبيدك لتعلمنا بالعمل وبوسيلة الإيضاح أن هذا هو المدخل الأساسي والوحيد لتكميل البر… لتعلمنا أن الإنحناء والتواضع والدعة وغسل الأرجل هي أساس كل بر. وقد أزلت عنا عار العصيان وغطرسة آدم ورفضه الخضوع للوصية. إنها دعوتك لكي نسلك كما سلكت… فالعبد ليس أفضل من سيده!!! دعوتنا أن نكُفّ عن مشاجرة مَنْ هو الأكبر فينا!!
فلم تأتِ في مجدك كي تعتمد؛ ولا في رداء الملوك القرمزﻱ؛ بل تقدمت كطفل وأنت يافع ابن الثلاثين. تقدمت لتكمل الناموس والبر؛ بينما أنت مُكمِّل وغاية الناموس. قبلتَ العماد حتى لا يحتقر أحد نعمة المعمودية والأسرار؛ وحتى لا يتأفف أصحاب الذهنيات الأرستقراطية ؛ حينما يعمدهم كاهن بسيط.
لذلك عند نزولك إلى مياة الأردن؛ سمعنا شهادة أبيك علانية لنعلم أنك الابن الوحيد الجنس والواحد مع الآب في الجوهر. وقد علمتنا بالحقيقة أن تكميل البر هو في قاعدة (أيهما أبَرُّ ؛ لا أيهما أكبر) وفي خضوع الأكبر للأصغر؛ وهذا هو البر الحقيقي.
كملت الناموس كله وأنت واضع الناموس… تمَّمت الوصايا وكملتها وأنت المشرِّع الإلهي؛ لكنك بهذا أردت أن ترفع لعنة الناموس والتعدِّﻱ؛ لتفتدﻱ الذين تحت الناموس. فكمّلت كل شيء لتخلصنا من الحُكم ؛ وتعبر بنا في نهر الأردن إلى النعمة؛ فاتحًا أمامنا باب السماء التي إنشقّت؛ ولتُزيل عنا عار اللعنة والعجز؛ وتنقلنا إلى طاعتك للبر المُعلن من فوق لكل مَنْ يقبل.
أحنيتَ رأسك يا ملكنا في ذروة الاتضاع والإخلاء؛ فظهر كمال برك وانفتحت السماء وقت معموديتك ونزل الروح مثل حمامة مع صوت السرور يعلن كرامتك أيها الابن الوحيد الحبيب الذﻱ سُرّ به أبوه… والروح الذﻱ نزل عليك إنما كان نزوله علينا نحن؛ بسبب لبسك جسدنا… إنه لم يصِرْ من أجل ترقيتك أيها اللوغوس؛ بل من أجل تقديسنا من جديد وشركتنا في مسحتك

Share this Entry

القمص أثناسيوس جورج

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير