1. هو الربّ يسوع إياه، القائم من الموت مشى معنا من بيوتنا إلى بيت الله هذا، نكلّمه بصلواتنا وأناشيدنا، ويكلّمنا في الرسالة والإنجيل، فنعرفه بالإيمان ونحبّه بالقلب في ذبيحة ذاته فداء عنا، وفي وليمة جسده ودمه لحياتنا. هذا ما جرى للتلميذَين اللّذَين كانا ذاهبَين يوم قيامته إلى قريتهما عمّاوس، فنرجوه أن يجري لكلّ واحد وواحدة منا في دروب الحياة: لقد دنا يسوع منهما، وسار معهما، واستمع لهما، وشرح لهما الكتب، فأحبّاه واستضافاه، فكافأهما بكسر الخبز، كما فعل ليلة آلامه في العشاء الأخير. حينئذ عرفاه فتوارى عن أنظارهما. يسوع القائم من الموت هو مسيح الإيمان.
2. يسعدني أن أقوم بهذه الزيارة الراعوية، مع سيادة النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح، إلى رعيّةسيدة الخلاص هنا في عين الريحانه العزيزة، التي تشمل المستوصف والكنيسة الجديدة، بدعوة كريمة من سيادة أخينا المطرانبولس روحانا النائب البطريركي العام في نيابة صربا من الأبرشية البطريركية. فإنّي أحيّيه وكلّ الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين في هذه النيابة الموكولة لعنايته الراعوية، ولاسيّما لجميع أبناء رعية عين الريحانه مقيمين ومنتشرين. من أجلهم نقدّم هذه الذبيحة المقدّسة، ذاكرين بنوع خاصّ الأجيال الطالعة والشبيبة.
وأذكر معكم في الصلاة مَن كان في أساس بناء هذه الكنيسة الجديدة ومجمّعها، وهو المرحوم ريمون منصور البستاني، الذي كان أوّل رئيس لبلدية عين الريحانه. ونحن في الذكرى السنوية الرابعة لوفاته. فقد قطع وعدًا على نفسه لسيدة الخلاص، وهو شاب، أن يبني الكنيسة الجديدة، إذا توفّرَ له المال، فكان كذلك. فحقّقَ القسمَ الأكبر منها في سنواته الأخيرة، وأكملَ الباقي نجلُهُ العزيز المهندس فانسان، رئيس البلديّة الحالي، بموآزرة أبناء الرعيّة ولجنة بناء الكنيسة وكلّ الذين لهم تعبٌ فيها وعطاء. لكم جميعاً نلتمس في هذه الليتورجيا الإلهيّة فيضَ الخير والنّعم من جودة الله اللامتناهية.
3.تشمل زيارتنا الراعويّة التي تدوم طيلة هذا النهار دير مار الياس الرّاس للراهبات اللبنانيات المارونيات، ورعية سيّدة الإنتقال، عينطورة، ودير راهبات مار يوحنا حراش، ورعية سيّدة الخلاص، داريا، وجماعة مريم ومرتا، عجلتون، ونختم بتدشين القصر البلدي الجديد في جعيتا. إنّنا نذكر في هذه الذبيحة كلّ هذه الجماعات الرهبانية والراعويّة، ملتمسين لها الإزدهار والخير من نِعَمِ الله.
4.“دنا يسوع من التّلميذَين وراحَ يسير معهما”(لو24: 15)
تراءى لهما يسوع، يوم قيامته، وهما في حالة كآبةوسقوط للآمال، واستنكار لصلب يسوع، وحيرة بشأن خبر قيامته (راجع لو 24: 17-24). إنه جوّهم النفساني الملائم لظهور يسوع. فهو بتجسّده وبالفداء أصبح متضامنًا مع كلّ انسان، ولاسيّما مع المتألّم حسّيًا وروحيًّا ومعنويًّا، ليقطع معه الطريق، ويصل به إلى نهايته السعيدة.
في الواقع، أعرب التلميذان عن حالتهما هذه ليسوع، وهو بالنسبة إليهما رجل غريب، لكونهما لم يعرفاه بعين الجسد، بل عرفاه عند كسر الخبز، ما يعني أنّ يسوع أصبح “مسيح الايمان” الحاضر في سرّ القربان. ويسوع من جهته شرح لهما ما جاء عنه، وعن آلامه قبل الدخول في مجده، في جميع الكتب المقدسة من موسى إلى سائر الانبياء (راجع الآيات 25-27).
5. حوار رائع مطمئن أثمر في قلبَي التلميذَين الانشراح والرجاء(راجع الاية 32). هذا الاختبار يعيشه كلّ شخص يخلد للصلاة والتأمل والإصغاء لصوت المسيح في داخله. فكم نحن بحاجة إلى مثل هذا الحوار مع المسيح! لكي يُخرج كلّ واحد وواحدة منا من معاناته وحيرته وتردّده وضياعه.
يحتاج إلى هذا الاختبار الأشخاص الذين يعيشون في البحبوحة والسعادة ورغد العيش، لكي يُعطوا معنىً لحالتهم وحياتهم، ولكي ينفتحوا بروح التضامن والمحبة والرحمة، نحو مَن هم في حاجة مادية أو روحية أو معنوية أو ثقافية. أما المعنى الذي يكتسبونه لحياتهم، من اللقاء مع المسيح والاصغاء له، فهو أنهم يكونون رفاق الطريق لهؤلاء على مثال الرب يسوع مع التلميذين على طريق عمّاوس.
6. ويحتاج إلى هذا الاختبار الأشخاص الذين يتعاطون العمل السياسي، كي يدركوا أنّه التزام بخدمة الخير العام، وأنّ عمل الأحزاب يندرج في هذا الالتزام. فيكون التنافس محصورًا ضمن هذا الإطار، من دون الدخول في شؤون المواطنين الداخلية. ثمّة فرق كبير بين العمل السياسي كفنّ شريف لخدمة الخير العام، والتسييسالذي يفسد كلّ شيء.
7. في هذه المرحلة الاستعدادية للانتخابات البلدية، نطالب الأحزاب والقوى السياسية عدم الهيمنة عليها وفرض ارادتها بشأنها، بل احترام هذا الاستحقاق على أنّه أهلي ومحلّي وإنمائي، وإبعادَه عن التجاذبات السياسية والحزبية والعائلية.
نحن لا نريد إطلاقًا التنازل عن نظامنا الديموقراطي، في ما يختصّ بتداول السلطة وحرية كلّ مواطن في الإدلاء بصوته من دون إكراه أو إغراء أو غشّ، واضعًا نصب عينَيه المصلحة العامة. وله أن يختار وفقًا لضميره مَن هو الأصلح، المميّز بروح الخدمة المقرونة بالكفاءة والفعالية، والمتحلّي بالقيم الإنسانية والروحية والغيرة على الصالح العام، والتجرّد من المصالح الشخصية والفئوية (راجع شرعة العمل السياسي، ص51).
نرجو أن تكون الانتخابات البلدية، التي نحرص كلّ الحرص على إجرائها في مواعيدها، أن تكون مثالًا لانتخاب رئيس للجمهورية الذي لا نجد أيّ مبرّر لعدم إجرائه حتى اليوم، خلافًا للدستور، وللانتخابات النيابية التي لم تجرِ في حينها، بل استُبدلت بالتمديد مرّتَين وبمخالفة الدستور.
8. لم يعرف التّلميذان هذا الرّجل الغريب، الذي هو يسوع، لكنّهما تعلّقا به بسبب الإنشراح النفساني الذي زرعه في قلبيهما. واستضافاه في بيتهما في تلك الليلة، لكي يوفّرا عليه عناء السّفر ليلاً: “أمكُثْ معنا، فقد حان المساء، ومالَ النهار”(لو24: 29). هذا هو إيواء الغريب(متى 25: 35)الذي يوصينا به الربّ يسوع. فاستحقّا، إذا جازَ التّعبير، أن يُقيم قدّاسه الأوّل بعد قيامته في بيتَيهما، وأن ينعما بمعرفته.
إنّ كلّ عمل رحمة تجاه إنسان يعتبره الربّ يسوع مصنوعًا له شخصيًّا: “كلّ ما تفعلونه لأحد إخوتي هؤلاء الصّغار، فلي تفعلونه” (متى 25: 40).أفعال الرّحمة التي نقوم بها تُحرّك مشاعر الله فيبادلنا إيّاها بطرقه الخاصّة وبسخاء.
9. عندما نتناول جسد الرب ودمه ونثبت فيه، نقوى ونثمر، فهو القائل: “مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه” (يو 6: 56). و”من يثبت فيّ وأنا فيه يعطي ثمرًا كثيرًا، لأنكم بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئًا” (يو 15: 5).
بالمناولة نكسب مناعة ضد الخطيئة والشر، وقوة حسّية للصمود، وثباتًا في عمل الخير ونشر العدالة والسلام،وغيرة رسولية لإعلان سرّ المسيح.هكذا اكتسب التلميذان قوة حسّية أعادتهما تلك الليلة إلى أورشليم بالرغم من طول المسافة، لينقلا بغيرة رسوليةبشرى القيامة. المسيحيون هم حاملو هذه البشرى بالكلام والأفعال، وهم شهود لها بقيامة قلوبهم لحياة جديدة.
في زمن القيامة نجدّد إيماننا بالمسيح رفيق دربنا، ونتشوّق إلى لقائه في سماع كلمة الحياة من فمه، وفي المشاركة في ذبيحته الخلاصية، وتناول جسده ودمه لحياتنا. ومعًا نرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
* * *