bkerke.org

أُعطوا ما لِبكركي لبكركي

لطّختُ عينيّ منذ بضعة أيام، بمقالة وقحة -لا أخالها مصدرا موثوقا-، نشرها أحد “المُتصحّفين” المأجورين ممّن امتهنوا ما يُعرف بالصِّحافة “الصّفراء” أي صِحافة الإسفاف والإثارة التي طالما رغبت في دكّ الصّروح العالية بمطارق الأقلام، ورجم الرّعاة الصّالحين بحجارة الأكاذيب، ونشر الفضائح عوض […]

Share this Entry

لطّختُ عينيّ منذ بضعة أيام، بمقالة وقحة -لا أخالها مصدرا موثوقا-، نشرها أحد “المُتصحّفين” المأجورين ممّن امتهنوا ما يُعرف بالصِّحافة “الصّفراء” أي صِحافة الإسفاف والإثارة التي طالما رغبت في دكّ الصّروح العالية بمطارق الأقلام، ورجم الرّعاة الصّالحين بحجارة الأكاذيب، ونشر الفضائح عوض النّصائح؛ وقد كان خيرا له لو عمل “صَحّافا” لا صحافيّا، لِمَ يجب أن يتحلّى به هذا الأخير من مهنيّة في الصّياغة ودقّة في جمع المعلومات، وأسلوب أدبيّ موضوعيّ وبنّاء.

بالله عليكم، يا أولياء الصِّحافة وأنصار الكلمة، أخبروا هذا “المُتصحّف الصّغير” ومن وراءه، أنّه عبثا يحاول الارتفاع على أكتاف العمالقة.

بل قولوا لهذا المستكتَب ومن حذا حذوه، كفى تضليلا للرّأي العام؛ واللعب بعواطف مجتمعنا الذي لا يرى بالعين بل يرى بالأذن، على حدّ قول جبران.

ذكّروا هذا المتوهّم اللاّهث وراء شهرة مزيّفة تحت شعار “خالف تُعرف”، أنّ كلّ ما يلملم من معلومات لا صحّة لها، وأسماء تشوبها الأخطاء، وأحداث تفتقر إلى الدّقّة والواقعيّة، لن يجعله معروفا بين كبار رجال الصّحافة والكتابة والإعلام كما سوّلت له نفسه وأوهمه غروره، كونه لا يملك أدنى مبادئ الكتابة الموضوعيّة، ولا يلمّ بحقائق الأمور كما هي.

ليست بالمرّة الأولى التي يصوّب فيها أسهم افتراءاته على البطريركيّة المارونيّة دون غيرها من المؤسّسات والمرجعيّات. مع العلم أنّنا لا نرضى أن يساء إلى أيّ منها.

فلو كان فعلا من دعاة كشف الحقيقة المجرّدة، لماذا إذاً لا يتجاسر على الكتابة عن أسرار دار الفتوى، والمجلس الشّيعي الأعلى، ومشيخة العقل؟ -ونحن بالتّاكيد لا نرضى بأن يفعل ذلك، لِمَ نكنّه لهذه المرجعيّات من احترام-.  بل لِمَ لا يسلّط الضّوء على ما قد يدور في بعض الدّهاليز الحزبيّة والفكريّة ذات الطّابع الدّينيّ التي ربّما تخبئ تحت عمامة الرّوح مشاريع سياساتٍ خاصّة وعامّة؟

بل لماذا لا تهبّ فيه روح الجرأة والمروءة إلاّ عند مهاجمة البطريركيّة المارونيّة دون غيرها؟

هل يستضعف واقعنا اليوم وينسى تاريخنا الحافل بالأحداث العظيمة والمآثر الوطنيّة؟

أوَ هل يرثي لحالنا الآن ويتناسى أننّا من صنّاع هذا الوطن الذي وفّر له حرّيّة الرّأي والتّعبير؟

هل يستغلّ صمتنا وتسامحنا وانفتاحنا وثقافتنا وترفّعنا وقدرتنا على التّحاور والتّفاهم والتّفهّم؟

أوَ هل يحاول كسر عصاه على صخرة بكركي وكرسي سيّدها الذي يحمل عصا الرّعاية والشّركة والمحبّة؟

هل يظنّ أن أسرار البطريركيّة المارونيّة، وتطلّعات كنيستها العريقة، وطروحات رعاتها، وترتيباتها الدّاخليّة، وعلاقاتها الخارجيّة، ألعوبة في أيدي صغار الفكر، وأحداث الكتابة، أو مطيّة لطموح هواة الصّحافة أو وسيلة لجمع حفنة خسيسة من المال التّكسّبيّ.

فهو يلوم بحر “بكركي” على مدّه وجزره، وينتقد قمرها على كماله ونقصه، ثمّ يحوّل الطّرف عن شتاء المسيحيّين وصيف شركائهم في مناخ الوطن نفسه، تحت سقف الدّولة الواحدة!

ثمّ يأخذ على البطريركيّة أنّ نور مرجعيّتها قد خفت، وضؤل عدد زوّارها؛ وفاته ما قاله جبران يوما: “كتبت على بابي دع نفاقك خارجا وادخل، فلم يزرني أحد”.

لو أمطرت سماء بكركي مواقف تاريخيّة عظيمة، وأهطلت معجزات وطنيّة خارقة، لرأيت بعض “المتصحّفين” أمثاله، يحملون مظلآت الجحود والضّلال والتّضليل.

أتحدّى صاحب تلك المقالة المغرضة، أن يكتب ولو مرّة واحدة عن غير البطريركيّة المارونيّة من المرجعيّات الرّوحيّة والوطنيّة، ويحاول الغوص في خفايا أسرارها وكواليس أخبارها، ويتجرّأ على رؤسائها والقيّمين عليها. فإنّه في الحقيقة لو فعل لكان يتأوّه الآن وراء قضبان سجون الخوف والذّلّ والمهانة.

ربّما غاب عن باله، أنّ الصّحافة الحقّة هي رسالة من نذر نفسه لنشر الحقائق الموضوعيّة لا لترويج الأقاصيص الكاذبة!

بل الصّحافة الحرّة إصلاحيّة في هدفها، إيجابيّة في أسلوبها، منزّهة في طروحاتها، دقيقة في معلوماتها، بنّاءة فيما ترمي إليه، من دون أن تنسى خلال أداء رسالتها ما قاله يوما ناسك الشّخروب أنْ “كم من نظافة وسّخت”.

ها صدى كلمات المفكّر الكبير شارل مالك ما زال يترّدد في حنايا أروقة التّاريخ الحديث، مذكّرا من تناسى أو تجاهل أنّ “بكركي من الأهميّة بحيث إذا خرب لبنان وبقيت هي سليمة معافاة قويّة، ماسكة بيد من حديد بزمام دعوتها التي أُنيطت بها…، باستطاعتها وحدها أن تعيد تعمير لبنان…، وإذا قدّرنا ماذا يعنيه لبنان تاريخيًا وعالميًا، تجلّى لنا مركز بكركي الفريد، وتِبعَتُها العظمى، في لبنان وفي العالم”.

بالله عليكم أيّها المتطفّلون، دعوا الكنيسة المارونيّة وشأنها، فأبواق المأجورين لن تقوى عليها!

وأعطوا ما لقيصر لقيصر وما لبكركي لبكركي.

Share this Entry

الأب فرنسوا عقل المريمي

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير