ندوة حول رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الخمسين لوسائل الإعلام التواصل والرحمة: تلاقٍ مثمر في المركز الكاثوليكي للإعلام

عقدت قبل ظهر اليوم ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، للإعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الخمسين لوسائل الإعلام، التواصل والرحمة: تلاقٍ مثمر ، شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة، ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل […]

Share this Entry

عقدت قبل ظهر اليوم ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، للإعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الخمسين لوسائل الإعلام، التواصل والرحمة: تلاقٍ مثمر ، شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة، ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم، ممثل وزير الإعلام الأستاذ اندره قصاص، نقيب الصحافة اللبنانية الأستاذ عوني الكعكي، و نقيب المحررين الأستاذ الياس عون، وحضور المسؤول عن فرع السمعي البصري في المركز الأب سامي بو شلهوب، مدير صوت الإنجيل الأب اغسطينوس حلو، المحامي عادل يمين،  والإعلاميين والمهتمين.
 
المطران مطر
بدابة رحب المطران بولس مطر بالحضور وقال:
“في هذه المُنَاسبةِ السَّنويَّةِ الخَمسِين لإِحياءِ اليومِ العالَميِّ لِلتَّواصلِ الاجتماعيِّ، يُوجِّهُ قَدَاسةُ البابا فرنسيس الرِّسالةَ السَّنويَّةَ إِلى الإِعلاميِّينَ في العالَمِ وَإِلى جَميعِ ذَوِي الإِرَادَاتِ الصَّالحةِ، داعِيًا إِيَّاهُم إِلى المَزِيدِ مِن العَملِ في سَبِيلِ نَشرِ إِعلامٍ إنسانيٍّ نَزيهٍ وبنَّاءٍ. لكنَّ قداستَهُ يُضيفُ لِهذَا العامِ قِيمَةً جديدةً على القِيَمِ الإِنسانيَّةِ الَّتي يَرجُو أَن تَحكمَ فعلَ التَّواصلِ الاجتماعيِّ بينَ البشرِ، أَلا وهي قِيمةُ الرَّحمةِ. فَيَضعُ في عنوانِ رِسالتِهِ هذا التَّعبيرَ الجميلَ: «التَّواصلُ وَالرَّحمةُ: تَلاقٍ مُثمِرٌّ».
إنَّ الكنيسةَ نَادَت وَتُنادِي على الدَّوامِ بِاحترامِ الحقيقةِ وَتَوخِّيها في كلِّ عملٍ إعلاميٍّ، أيًّا كانت الوسائلُ المُستَخدَمةُ لِهَذا الغَرضِ. وهي تُؤكِّدُ على الدَّوامِ إِنَّ التَّضليلَ في نِطاقِ الإِعلامِ، وَنَشرَ الأخبارِ الكاذبةِ وَإِرادةَ السَيطرةِ على الرَّأي العامِّ عَبرَ تَضخِيمِ الدِّعاياتِ المُغرِضةِ، هي كلُّها أخطاءٌ لا بلْ خَطايَا يَجبُ الابتعادُ عَنها لا بلْ مُحاربَتُها بِكلِّ الوَسائلِ. وَالكلمةُ الإِنجيليَّةُ ساطعةُ النُّورِ في تَأكِيدِها لِلجميعِ: «تَعرفُونَ الحقَّ وَالحقُّ يُحرِّرُكُم». فَالإِعلاميُّ إِذن هُو رَسُولُ الحقيقةِ مهما كانت صَعبةً وَرَسُولُ الشَّفافيةِ وَاحترامِ الآخرِ الَّذي لهُ الحقُّ في أَن يَعرفَ الواقِعَ كما هُو فَيَبنِي حُكمَهُ عليهِ وَلَيسَ على الخِدَاعِ بِشَأنِهَِ على الإِطلاقِ.
وَتَرَى الكنيسةُ أَيضًا إنَّ الحقيقةَ لَيسَت القيمةَ الوحيدةَ الَّتي يَجبُ أَن تَحكُمَ العمليَّةَ الإِعلاميَّةَ بَينَ النَّاسِ. بلْ تُضيفُ إِليها قيمةَ بِناءِ المُجتمعِ على أُسُسٍ من الوحدةِ وَالمحبَّةِ. فَالصحافيُّ المَسؤُولُ عَن نَشرِ الحقيقةِ هُو مَسؤُولٌ أَيضًا عَن خَلقِ جَوٍّ تَصَالُحيٍّ في العالَمِ وَعَن تَقريبِ النَّاسِ بَعضِهِم إِلى بَعضٍ عَبرَ تَأكيدِ ضَرُورَةِ التَّفاهُمِ فِيمَا بَينَهُم، وَعَن التَّضامُنِ مِن أَجلِ الخَيرِ العامِّ وَتَرجِيحِ كَفَّةِ السَّلامِ ما استَطاعَ إِلى ذلكَ سَبيلاً. بِهَذا المَعنَى يَقُولُ قَداستُهُ إِنَّ لِلرَّحمةِ مَكانًا خاصًّا وَمُميَّزًا في رِسالةِ الإِعلامِ وَالإِعلاميِّين. لكنَّ هذه الرَّحمةَ قَد صَارَت، وَبِكلِّ أَسفٍ، مُغَيَّبَةً عَن العَلائقِ بَينَ الدُّولِ وَالشُّعوبِ وقد حَلَّت مَحلَّها القَساوَةُ في التَّعاطِي إِلى حَدِّ اعتِمَادِ الحُرُوبِ القاتِلَةِ وَالمُدَمِّرةِ، نَاهِيكَ عَن سَيطرَةِ المَصَالحِ الخاصَّةِ على حِسابِ المُشارَكةِ في الخَيراتِ بِرُوحٍ مِن الأُخوَّةِ وَالمُسَاوَاةِ بَينَ الجميعِ. فَيَقُولُ قَدَاستُهُ إِنَّ خلاصَ العالَمِ مِمَّا يَتَخبَّطُ فيه اليومَ لَن يَتَقدَّمَ وَلَن يَتمَّ مَا لَمْ تَعُد الرَّحمةُ إِلى القُلُوبِ، وذلك في كلِّ القِطَاعَاتِ وعلى كلِّ المستَويَاتِ، هذا ما وَضعَهُ البابا نصبَ عَينَيهِ عندما قَرَّرَ إِعلانَ السَّنةِ الحاليَّةِ 2016 سنةَ الرَّحمةِ في الكنيسةِ جَمعَاء وفي العالَمِ بِأَسرِهِ.
يَنطلقُ قَدَاستُهُ في كَلامِهِ عن الرَّحمةِ مِن مَوقعِ هذه القيمةِ في حَياةِ الكنيسةِ وَرِسالَتِها، فَيَقولُ إِنَّ هذه الرَّحمةَ النَّابِعَةَ مِن قَلبِ الآبِ، يَجبُ أَن تَدمُغَ الكنيسةَ، في كِيَانِهَا أَوَّلاً ومِن ثمَّ في سُلُوكِهَا. فَالكنيسةُ هي امتِدَادٌ في الأَرضِ لِحُضُورِ المسيحِ، كَمَا إِنَّ الرَّبَّ يَسوعَ هُو شُعَاعُ رَحمَةِ الآبِ الَّتي لا حُدُودَ لَها. فلا يَجُوزُ لِلكَنيسةِ، وذلكَ بِاسمِ الإِيمانِ، أَن تَتَمَوضَعَ في خَارجِ نِطاقِ الرَّحمةِ وَإِلاَّ فَقَدَت هُوِّيَّتَها وَخَسِرَت دَورَهَا. أَضِفْ إِلى ذلكَ إِنَّ المَسيحيَّةَ تُعلِّمُ الأُخوَّةَ الشَّاملةَ بَينَ البَشرِ. فَهَؤلاءُ لَيسُوا مَقسُومِينَ بِنَظرِهَا إِلى أَعداء وَأَصدقاء وَإِلى قَرِيبِينَ وَبَعِيدِينَ، وَلا حتَّى إِلى مُؤمِنينَ وَكَافِرِينَ، بَلْ هُم أُخوةٌ مُتَسَاوُونَ أَمامَ رَبِّهِم الَّذي خَلَقَهُم جَميعًا على صُورتِهِ وَمِثالِهِ.
على هذا الأَساسِ يَطلبُ قَدَاستُهُ أَن نَتَعاوَنَ مَعَ الجميعِ وَأَن يَعتَبرَ أَهلُ الإِعلامِ إِنَّهُم مَسؤُولُونَ بِخَاصَّةٍ عَن رُوحِ الأُخوَّةِ الشَّاملةِ هذه وَذلكَ في رِسَالتِهِم التَّوَاصلِيَّةِ بِكلِّ وُجُوهِهَا. فَهُم لا يَعمَلُونَ لِفِئةٍ مِن النَّاسِ دُونَ سِوَاهَا بَلْ هُم خُدَّامٌ لِوحدَةِ البَشَرِ وَلِتَفَاعُلِهِم غَيرِ المَحدُودِ. بِهذَا المَعنَى يَقولُ البابا إِنَّ الكنيسةَ بِوَصفِهَا أُمًّا، تَنشرُ حَرَارَةَ التَّعاطِي بَينَ أَبناءِ الأَرضِ، وَتَرفضُ البُرُودةَ الَّتي تُلامِسُ حُدُودَ المَوتِ وَحُدُودَ الجَريمةِ. وَهي تَدعُو المُؤمنينَ مِن أَبنَائِها إِلى إِعادَةِ بِناءِ الجُسُورِ حَيثُمَا نُسِفَت بَينَ النَّاسِ وَإِلى التَّلاقِي بَينَ الشُّعُوبِ، مَا يُساعِدُ على خُرُوجِ أَبنَائِهَا مِن الاصطِفَافِ القاتِلِ وَمِن علاقاتِ الحقدِ الأَعمَى وَمِن العَدَاوَاتِ الَّتي لا نَفعَ لَهَا. وَمِن ثمَّ تُركِّزُ الدَّعوَةَ إِلى شِفاءِ الذَّاكرةِ المَجرُوحَةِ أَينَمَا وُجِدَت وَإِلى تَغلِيبِ رُوحِ المَحَبَّةِ وَتَنمِيَةِ الشَّراكةِ.
إِنَّ مِثلَ هذا المَنحَى لا يُتَّخَذُ طبعًا على مستَوَى الأَفرادِ أَو المُجتَمَعاتِ المَدنيَّةِ وَحدِهَا، بَلْ سَيُطلَبُ بِخاصَّةٍ مِن أَهلِ السِّياسةِ فِي العالَمِ وَمِن الزُّعَماءِ الَّذينَ يَقُودُونَ الشُّعُوبَ في كلِّ مَكانٍ. لِهَذا يُؤكِّدُ البابا في رِسَالتِهِ وُجُوبَ أَن تُلهِمَ الرَّحمةُ قُلُوبَ السِّيَاسيِّينَ وَالدِّبلُومَاسيِّينَ، وَقَد سَمَّاهُم بِاسمِهِم، وَأَن تَدخلَ إِلى خطَابَاتِهِم وَمَوَاقفِهِم كلِّهَا. لا بَلْ هُو يُشدِّدُ على ضَرُورَةِ التَّعاملِ مع الأَخطاءِ الحَاصِلَةِ في أَيِّ مكانٍ مِن العالَمِ على أَسَاسِ تَصحِيحِهَا وَالحَدِّ مِن تَأثِيرِهَا السَّيِّئِ وَذلكَ بِاعتِمَادِ «الجُرأَةِ الإِيجَابيَّةِ وَالخَلاَّقةِ» الَّتي تُؤدِّي إِلى إِيجَادِ حُلُولٍ لِلنِّزَاعَاتِ الَّتي تُزكِيهَا هذه الأَخطاءُ بِالذَّاتِ. وَقَد يُصبِحُ تَخَطِّيهَا نَاجِزًا بِفِعلِ الرَّحمةِ وَصُنعِ السَّلامِ، وَتَحقِيقًا لِكَلمَةِ الرَّبِّ في إِنجيلِهِ الطَّاهرِ حَيثُ يَقولُ: «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ فَإِنَّهُم يُرحَمونَ وَطُوبَى لِفَاعِلِي السَّلامِ فَإِنَّهُم أَبناءُ اللهِ يُدعَونَ».
وَيُضِيفُ البابا في هذا المَجَالِ إِنَّ رِسالةَ المُصَالَحةِ وَالسَّلامِ يَسهلُ العملُ بِها إِذَا مَا تَخلَّى النَّاسُ عَن رُوحِ الكِبرِيَاءِ وَالغَلَبةِ على الأَعداءِ. فَالأَعدَاءُ لَيسُوا بِالنِّهايةِ سِوَى أُخوَةٍ ضَرَبَتهُم البَغضَاءُ الَّتي يُمكِنُ أَن تَتركَهُم لِيَعُودُوا إِلى المُصَالحةِ مِن جديدٍ. إِنَّ هذا الأَمرَ لا يَعنِي بِنَظرِ قَدَاستِهِ المُسَاوَاةَ بَينَ الحقِّ وَالبَاطلِ وَبَينَ الخَطيئةِ والنِّعمَةِ. لَكنَّهُ يَدعُو إِلى التَّميِيزِ الضَّرُوريِّ لا بَلْ الوَاجبِ بَينَ الشَّرِّ وَصَانِعِهِ، فَنَنبذَ الشَّرَّ بِكلِّ قُوَّةٍ وَنَرفضَ الخَطأَ أَيًّا كانَ، لَكنَّنا لن نقصِيَ النَّاسَ الَّذين قَامُوا بِالشُّرُورِ عن إِمكانيَّةِ تَوبَتِهِم وَلا نَحكمَ علَيهِم حُكمًا نِهائيًّا لأَنَّ اللهَ وَحدَهُ يَعرفُ خَفَايَا القُلُوبِ، وَهُو الَّذي يَرحَمُ مَن يَشاءُ. فَحَذَارِ أَن نَفكَّ الارتباطَ في حَيَاتِنَا بَينَ الحقيقةِ وَالمحبَّةِ، وَأَن نَنزَعَ الرَّحمةَ من قُلُوبِنَا وَأَن نَتَعَمَّدَ الأَقوالَ وَالأفعالَ القَاسيةَ، كمَا يَقُولُ البابا في رِسَالتِهِ: «لِئلاَّ نَقُودَ أُولئكَ الَّذينَ أَخطَأوا لا إِلى الارتِدَادِ وَالحرِّيَّةِ، بَلْ إِلى مَزِيدٍ من مَشَاعِرِ الرَّفضِ عِندَهُم وَالانكِمَاشِ عن الآخَرِينَ.
قَد تَكونُ هذه المَوَاقفُ صَعبةَ التَّحقيقِ. وَقَد يَصِفُها البَعضُ بِالخَيَاليَّةِ وَغَيرِ الوَاقعيَّةِ. لَكنَّ قَدَاستَهُ يُصِرُّ عَلَيهَا وَهُو يَرَى في الكَونِ كلِّه بَيتًا وَاحدًا هُو بَيتُ البَشرِ جَمِيعًا، مَا يُذَكِّرُنَا بِالعِبارَةِ الشَّهيرةِ الَّتي تَصِفُ العالَمَ «بِالأُسرَةِ الدُّوليَّةِ». فَيَجبُ وَالحالةُ هذه أَن يَتَعاطَى النَّاسُ بَعضُهُم مع بَعضٍ انطلاقًا مِن القُربَى الَّتي تَجمعُ فِيما بَينَهُم، فَيَأخذَ كلُّ إِنسانٍ أَو كلُّ شَعبٍ، الإِنسانَ أَو الشَّعبَ الآخرَ، بِمَثَابةِ أَخٍ أَو قَرِيبٍ، مَا يُغَيِّرُ شَكلَ التَّواصُلِ في العالَمِ مِن أَساسِهِ. لِهَذا يُوَجِّهُ قَداستُهُ دَعوَةً مُلِحَّةً لِلجَميعِ إِلى أَن يَتَعلَّمُوا الإِصغَاءَ فِيمَا بَينَهُم. لأَنَّ هذا الإِصغَاءَ هُو قمَّةٌ في الاعتِرَافِ بِالآخرِ وَإِدراكِ حَاجَاتِهِ وَحُقُوقِهِ. وَيَقولُ قَدَاستُهُ «إِنَّ الإِصغاءَ يَعنِي الانتِبَاهَ لِوُجُودِ الآخرِ وَالرَّغبةَ في تَفَهُّمِهِ وَالتَّقدِيرِ وَالاحترامِ وَالحِفَاظِ على كَلامِ الآخرِينَ». أَلَيسَ هذا الكلامُ مَدْعَاةَ تَأمُّلٍ مِن قِبَلِ الجَميعِ وَلا سيَّما مِن قِبَلِ أَهلِ الصَّحَافةِ بِالذَّاتِ؟ فَالَّذِي يَتَّخذُ في حَيَاتِهِ مِهنَةَ نَقلِ الخَبرِ إِلى الآخرِ، يَجدُ لِزَامًا عليهِ أَن يُصغِيَ إِلى أَخِيهِ لِيُدرِكَ قِيمَةَ وُجُودِهِ فَتَتمَّ بَينَهُما شَرَاكةُ إِنسانيَّةٍ حَقَّةٍ. وَإِذا مَا تَوَطَّدَ هذا النَّوعُ مِن العلاقَاتِ بَينَ النَّاسِ يَسهلُ إذْ ذَاكَ تَسخِيرُ كلِّ خَيرَاتِ الأَرضِ لِدَعمِ هذا الخَيَارِ الإِيجَابِيِّ، كَمَا يَسهلُ استِعمَالُ الوَسَائلِ الإِعلامِيَّةِ كلِّها، التَّقلِيديَّةِ منها وَالرَّقميَّةِ،  لِصَالحِ التَّواصُلِ وَالاحترامِ المُتبَادَلِ، بَدَلاً مِن إِلغَاءِ الآخر وَالاعتِدَاءِ عليهِ.
وَفِي الخِتَامِ، يَعُودُ قداستُهُ لِيُؤكِّدَ مَا قَدَّمَهُ في سِيَاقِ الرِّسالةِ، بِأَنَّ التَّلاقِي بَينَ الإِعلامِ وَالرَّحمةِ يَحملُ في طَيَّاتِهِ قُدرةً على الشِّفاءِ مِن الخُصُومَةِ وَعلى رَأْبِ الصَّدَعِ بَينَ المُتَباعِدِينَ وَعلى وَضعِ حَدٍّ لِشَرذَمةِ هذا العالَمِ وَضَياعِهِ لِيَسيرَ في اتِّجاهِ التَّقارُبِ أَو حتَّى بِاتِّجاهِ الأُخوَّةِ الَّتي يَجبُ أَن تَحكُمَ بَينَ أَبناءِ اللهِ. فَهَلاَّ دَخَلَت هذه الرِّسالَةُ إِلى عُمقِ تَفكِيرِنَا وَغَيَّرَت منَّا الخَوَاطِرَ وَالقُلُوبَ؟”
 
قصاص
ثم كانت كلمة ممثل وزير الإعلام الأستاذ اندره قصاص جاء فيها:
“شرفني معالي وزير الإعلام الأستاذ رمزي جريج تمثيله في هذا المؤتمر الصحافي للإعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس في اليوم العالمي الخمسين لوسائل التواصل الإجتماعي، وهو إذ يعتذر لعدم تمكنه من المشاركة، يوجه إلى سيادة المطران بولس مطر والمركز الكاثوليكي للآعلام تحياته القلبية، متمنياً أن يبقى هذا الصرح الإعلامي منارة في قول الحقيقة وفي دعم الكلمة الحرة والمسؤولة.
لا يسع من يتمعن في رسالة قداسة البابا فرنسيس إلاّ أن يتوقف بخشوع أمام ما تضمنته من أفكار تعكس بصدق مدى اهتمامه بأنسنة العلاقات التي تجمع بين البشر، أياً كان دينهم أو لونهم أو انتماؤهم، وفيها الكثير من روحانية يجسدها قداسته، سلوكاً وطريقة عيش، على مثال من طّوب الرحماء الذين سيرحمون.
وفي جدلية العلاقة بين رحمة السماء ورحمة الإنسان لأخيه الإنسان يعطي البابا فرنسيس صورة واضحة عن هذه العلاقة، التي لا تعترف بحدود طبقية أو أجتماعية، ولا تأسرها حدود جغرافية، بين شمال وجنوب، بل هي وسع الكون، بما تختزن في مضامينها من مؤشرات تتخطى الزمان والمكان. ولهذا كان تخصيص هذه السنة للرحمة الألهية، بما تعنيه من توق إلى التماس رحمة العزة الألهية، إنطلاقاً من ايمان راسخ بأن من يرحم على الأرض سيرحمه من في السماء.
والرحمة كما يبينها لنا قداسته في رسالته تتجاوز في معانيها التواصلية المألوف من الأمور، عندما يتحدث عن قبول الآخر، أياً يكن هذا الآخر، والدخول معه في حوار غير إلغائي. وهذا ما نحتاج إليه في زمن يُرفض فيه الآخر، لمجرد أنه  لا يجارينا في التفكير نفسه الذي نعتقد أنه صواب لا يحتمل الخطأ، فيما الأصح هو أن يكون ما نعتقده صحيحاً يحتمل الخطأ، ونقتنع بأن ما نظنه خطأ لدى الآخرين قد يحتمل الصواب. وبذلك نكون على مستوى واقعنا الإعلامي على مسافة واحدة من الجميع، ونكون بذلك في مستوى الرسالة البابوية.
وما لفتني ايضاً في رسالة الرحمة عندما تحدث قداسته عن أهمية التواصل الذي يبني  جسورًا، وما يمكن أن يسهّلَه التلاقيَ والاحتواءَ لإغناء المجتمع، فتتجاوز الكلمات البناءة حالات اللاتفاهم، وتكون مدماكاً اساسياً لبناء سلام مستدام. وما دعوته إلى أن تمدّ الكلمات َ جسورًا بين الأشخاص والأُسَر والتكتّلات الاجتماعيّة والشعوب، إلاّ شكلاً من اشكال القضاء على ما في هذه الأرض من حقد واحكام مسبقة وانتقام.
وفي وقفة متجلية يميز قداسته بين الأصغاء والاستماع، فيعتبر أنه ليس من السهل الإصغاء الذي يعني التقاسم، والتقاسمُ يتطلّب الإصغاءَ والقبول. وهو يعني ايضاً القدرةَ على تبادل التساؤلات والشكوك، والسَّيرَ جنبًا إلى جنب، والتحرُّرَ من كلّ ادّعاءٍ وقدرةٍ مطلقة، ووضعَ القدرات والمواهب، بتواضع، في خدمة الخير العام.
وبهذا انهي كلمتي، عسى أن تنير كلمات قداسته طريقنا فنصل عبر الحوار وأفعال الرحمة إلى ما ينهي الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية بعدما شارف على طي سنته الثانية، وأن يسدل ستار الأزمات الناتجة عن هذا الفراغ، وأن يعود العمل طبيعيا في مؤسسات الدولة، فتعود إليها الحياة، ونستحق عن جدارة نعم سنة الرحمة الألهية.”
 
الكعكي
ثم كانت كلمة الأستاذ عوني الكعكي فقال:
يشرّفني ان أتحدث في هذا المنتدى الثقافي الكبير الذي هو منبرٌ إنساني بامتياز قبل أن يكون مركزاً دينياً. ويأتي الكلامُ، هنا من القلب إلى القلب كون بركة وقداسة سيّدنا البابا فرنسيس حاضرتين معنا.
أنا المسلم البيروتي اللبناني أكثر مًن يُدرك قلق قداسة البابا على مصير المسيحيين في الشرق، ليس فقط لأنَّ والدتي، أمدَّ الله في عمرها، مسيحية مارونية، بل بالذات لأنني أعرف قيمة أخي (ولا أقول شريكي) المسيحي اللبناني الذي نُشكلُ معاً صيغة واحدة فريدة في العالم كلّه.
وأعترفُ بأنّ هذا القلق هو في محلّه، لأنّ هناك أسباباً موجبة له منذ المجازر الأرمنية الرهيبة قبل قرن من اليوم، إلى المجازر المرعبة التي يرتكبها تنظيم “داعش” وسواه في حق المسيحيين وايضاً في حق المسلمين في العراق وفي سوريا…
وحرصاً منّي على شريكي في الوطن، أخي المسيحي اللبناني أريد ان أطلق صرخة من على هذا المنبر المحترم، مطالباً الزعامات المسيحية لان تبادر إلى الإتفاق في ما بينها على مرشح لينتخبه النواب رئيساً، لأنّ لبنان من دون رئيس، وأقول: من دون الرئيس المسيحي الماروني، ليس لبنان الذي نحبّه ونريده.
وليت فرحتنا بالتوافق بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع تكتمل بان يتوافقا مع سائر القيادات المسيحية على شخصية من خارج “الأربعة الأقوياء” كون الاربعة وصلوا إلى الطريق المسدود… فيقتدون باركان الحلف الثلاثي المرحومين كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون إدّه، ويأتون برئيس من خارج هذا المربّع، كما فعل أولئك الزعماء باتفاقهم على المرحوم سليمان فرنجية الذي لم يكن في الحلف الثلاثي الشهير.
دعونا نصلّي، ونطلب شفاعة قداسة البابا فرنسيس، علّ الله يحفظ هذا الوطن الذي هو وطن القديسين والأولياء.”
 
عون
ثم كانت كلمة الأستاذ الياس عون فقال:
 
“أنحني أولاً أمام عظمة قداسة البابا فرنسيس هذا القائد الروحي للكنيسة الكاثوليكيّة، الذي بتواضعه يعلمنا الكثير. وما رسالته في اليوم العالمي الخمسين لوسائل التواصل الإجتماعي والتي جمعت بين التواصل والرحمة ،إلا دليل على إيمان الحبر الأعظم بالحوار بين الشعوب والأديان والثقافات.
كلّنا مدعوون لنعيش الرحمة فيما بيننا، وليست فقط في هذه السنة التي كرّسها قداستة للرحمة، وهذه الدعوة المميزة تعني كلّ الأديان، ألم يقل المسلمون في صلاتهم اليوميّة: باسم الله الرحمن الرحيم.
نعم كلنا أبناء للرحمة الإلهيّة وكلنا علينا أن نكون رحومين بعضنا لبعض في هذا العالم الذي بات قريّة صغيرة ولن أقول بسببب، بل سأقول بفضل وسائل التواصل الإجتماعي والثورة الإلكترونيّة، شرط أن نعرف كيف نستخدم هذه الوسائل لخير المجتمع والإنسان وليس لتعاسته.
تحيّة لكم صاحب السيادة على دعوتكم لنا لنقرأ معًا ما علّمنا إياه قداسة البابا، ليبقى التلاقي مثمرًا، كما أراد هو عنوانًا لرسالته: التواصل والرحمة: تلاٍق مستمر.
نعم بالتواصل والحوار تُبنى المجتمعات. بربكم دلوني، على في أي حرب وقتل ودمار تحقق السلام.
نعم وسائل التواصل الإجتماعي جعلت من كل الناس صحافيين في الكلمة والصورة، ولكن علينا كلنا، التنّبه لخطر هذه الوسائل إذا لم نحسن استعمالها لخير الإنسان ومجتمعه.
وختامًا، لنتعلّم كلنا من قداسته أن بالتواصل والرحمة تلتقي المجتمعات وليس بالحرب والدمار. والسلام.”
 
أبو كسم
واختتمت الندوة بكلمة الخوري عبده أبو كسم فقال:
“مما لا شك فيه، أن وسائل الإعلام، ومن ضمنها وسائل التواصل الإجتماعي أصبحت تشكل ساحةً واسعة للتواصل بين الناس، لكن على ما يبدو أن هذه الساحة، هي ساحة مشرّعة، لا ضوابط لها سوى الضمير المهني والإنساني، الذي بدوره يواجه شبح المال الإعلاني، الذي يطغى وللأسف في بعض الأحيان، وفي بعض الوسائل على إعلان الحقيقة المجردة التي يجب أن تحكم التعاطي التواصلي الإعلامي، بمعنى أن تكون أي الحقيقة هي الهدف الأول والأساس في تبادل الأخبار، وتنوير الراي العام، بعيداً عن البلبلة والتضليل والتحريض.
وفي هذا الإطار يدعو قداسة البابا فرنسيس إلى استعمال وسائل التواصل الإجتماعي، في سبيل الخير العام، وتجنب استعمالها لنشر الأكاذيب والتحريض والتضليل، معتبراً إياها أنها من الوسائل التي وضعها الله في خدمة الإنسان، وبنيانه وليس لتحقيره وتدميره، وبث روح الفتن والشرّ التي تثير الشكوك والخلافات بين البشر، وتشوه الضمائر، وتدفع إلى ارتكاب الخطيئة، خاصةّ في تلك المواقع الإباحيّة أو تلك التي تدفع إلى الإلحاد والابتعاد عن طريق الربّ وتدخل من يدخل إليها في نفق الضياع المؤدي إلى وادي الدموع.”
إن ما نشهده اليوم من تفلتٍ أعلامي، واستباحة لخصوصيات الناس، من أجل إعلانٍ رخيص، يضرب مفاهيم الإعلام الصحيح، ويرتد لاحقاً على المؤسسات والمواقع التي تنزلق إلى هذه اللعبة الجهنمية. نحن مع الإضاءة على الأخطاء ومرتكبيها، لكن من أجل الإصلاح وليس التشهير والتدمير. وإن مصداقية وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية تكتسب ثقة الناس والمتلقي، عندما تشير إلى معاني الخلل في المجتمع إن في المؤسسات أو لدى الأشخاص، فتبيّن السلبي منها بهدف المحاسبة وعدم الوقوع مجدداً في الخطأ، لكن في الوقت عينه يجب أن تضيء على الأعمال الإيجابية التي تقدمها هذه المؤسسات وهؤلاء الأشخاص، فتبين الحق والباطل في آن، وبهذا تكتسب الوسائل الإعلامية ثقة واحترام الرأي العام، وإذا تغاضت عن الخير، وأضاءت على الشرّ فقط فإن في عملها هذا، ترتكب جرماً يدخل في إطار التحقير والتشهير والقدح والذم، يعاقب عليها القانون.
وعليه فإننا ندعو وسائل الإعلام على أنواعها، والناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي، أن يقاربوا الموضوعات والقضايا التي يتناولونها، بشكل موضوعي، يخدم الحقيقة دون سواها من أجل تنوير الرأي العام، فتأتي عملية التواصل كما يدعونا قداسة البابا ممزوجةً بالرحمة، وتؤدي إلى تلاقٍ مثمر بين الناس.
وفي الختام، اتوجه بالتحيّة إلى كل المؤسسات الإعلامية والمسؤولين عنها والعاملين فيها وإلى كل من يتواصلون على مواقع التواصل الإجتماعي سائلاً الله أن يغمر قلوبهم بالرحمة الإلهية، ويثمروا ثماراً تليق بكرامة الإنسان. والسلام.”
 
تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام تحتفل باليوم العالمي الخمسين للإعلام في 29 ايار الجاري الساعة العاشرة والنصف صباحاً في كنيسة القلب الأقدس – بدارو.

Share this Entry

فيوليت حنين مستريح

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير