بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي الذي يُحتفل به في الأحد الأخير من شهر تشرين الأول من كلّ عام، وجّه البابا فرنسيس في 15 أيار رسالة تحت عنوان “كنيسة مُرسَلة، شاهدة للرحمة”، نشرها موقع الفاتيكان.
وقد استهلّ الأب الأقدس رسالته بقوله إنّ “اليوبيل الاستثنائي للرحمة الإلهية يقدّم نوراً مميّزاً لليوم الإرسالي العالمي لسنة 2016، بما أنه يدعونا للنظر إلى الرسالة كعمل رحمة كبير، سواء على المستوى الروحي أو المادي. فنحن مدعوّون للخروج كتلاميذ مُرسلين، واضعين في الخدمة مواهبنا وإبداعنا وحكمتنا وخبرتنا في حمل رسالة حنان الله ورأفته إلى العائلة البشريّة بأسرها. فالكنيسة، بحكم تفويض الإرساليّة، تعتني بالذين لا يعرفون الإنجيل، لأنها ترغب بأن يخلص الجميع وأن يتوصّلوا إلى اختبار محبّة الرب. وتقضي رسالتها بـ”إعلان رحمة الله، القلب النابض للإنجيل” والبشارة بها في كلّ زاوية من الأرض”.
وشدّد الحبر الأعظم على أنّ تفويض الإنجيل “اذهبوا وتلمِذوا جميع الأمم، وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلِّموهم أن يحفظوا كلّ ما أوصيتكم به” لم ينتهِ بعد، بل يُلزمنا جميعاً، في الأوضاع الراهنة والتحديات الحاليّة، بالشعور بأننا مدعوّون إلى “خروج” إرسالي جديد، وإلى “الخروج من رفاهنا الخاص والتحلّي بالشجاعة لبلوغ جميع المناطق المحتاجة إلى نور الإنجيل”.
ثمّ تكلّم البابا عن الرحمة في قلب الآب المُحبّ والمتنبّه والأمين الذي “يتوجّه بشغف نحو المخلوقات الأكثر هشاشة لأنّ عظَمته وقوّته تظهران في قدرته على التشبّه بالصغار والمَقصِيّين والمظلومين”. وأضاف قائلاً “إنّ العبارة المُستعملة في الكتاب المقدس للإشارة إلى الرحمة تعيدنا إلى الحشا الوالدي، أي إلى محبّة أمّ تجاه أبنائها الذين ستحبّهم دائماً، في كلّ الظروف ومهما حدث، لأنهم ثمرة أحشائها. هذا جانب جوهري أيضاً من المحبة التي يكنّها الله لجميع أبنائه، الذين ولَدَهم ويريد تربيتهم وتعليمهم.
أمّا عن يسوع فقال الحبر الأعظم إنّ الرحمة “تجد تعبيرها الأسمى والتام في الكلمة المتجسّد. فهو يُظهِر وجه الآب الغني بالرحمة، يتحدث عنها ويشرحها بالتشابيه والأمثال، ولكنه قبل كلّ شيء يجسدّها بذاته، وبشخصه يعبّر عنها”. لذا يمكننا بدورنا، وعبر قبولنا ليسوع، أن نصبح رحماء كأبينا السماوي فنتعلّم كيف نحبّ وكيف نجعل من حياتنا عطيّة مجانية.
وعن هذه المحبة قال البابا: “ويشهد على هذه المحبّة الرحيمة، كما في الأزمنة الأولى للخبرة الكنسيّة، العديد من الرجال والنساء من كلّ عمر وحالة. ويشكّل الحضور النسائي الهام والمتزايد إلى جانب الحضور الذكري، علامة مهمّة لمحبة الله الوالديّة. فالنساء، علمانيات أو مكرّسات – واليوم أيضاً العديد من العائلات – تُحقّق دعوتها الرسولية بأشكال عديدة، بدءاً من الإعلان المباشر للإنجيل وصولاً إلى خدمة الأعمال الخيريّة… أتمنّى أن يمارس شعب الله المقدّس خدمة الرحمة الوالديّة التي تساعد الشعوب التي لا تعرف الرب، على لقائه ومحبّته. إنّ الإيمان في الواقع هو عطيّة من الله وليس ثمرة التبشير؛ لكنّه ينمو بفضل إيمان ومحبّة المبشّرين، الذين هم شهود المسيح. لذا يُطلب من تلاميذ يسوع، في سيرهم على دروب العالم، تلك المحبّة التي لا تَقيس، بل بالأحرى تحمل للجميع مقياس الرب نفسه”.
وختم الحبر الأعظم رسالته بالتذكير بتعليمات الأسلاف الذين شاؤوا أن تعود التبرّعات من كلّ أبرشية ورعيّة وجماعة رهبانبة ومنظمة وحركة كنسيّة لإعانة الجماعات المسيحية التي تحتاج إلى مساعدات لإعلان الإنجيل حتّى أقاصي الأرض، طالباً من مريم الكلّية القداسة أن تعلّم الجميع بدون استثناء “أن يخلقوا ويحرسوا في كل مكان الحضور الحي والسريّ للرب القائم من الموت، الذي يُجدّد ويملأ برحمة فرِحة العلاقات بين الأشخاص والثقافات والشعوب”.