نتابع مع القسم الأخير من شهادة حياة الكاهن العراقي الأب دوغلاس البازي بعد أن عرضنا قسمين سابقين منها وقد وردت هذه المقالة باللغة الإنكليزية على موقع catholicherald.co.uk في 27 أيار 2016 وحاوره يومئذٍ الصحافي العراقي البريطاني روبيرت إيوان.
(…) أخبرني واحد منهم: “سنقوم بقطع رأسك ونستبدله برأس كلب. ثم سنقطع جسدك إربًا إربًا”. أمضى الأب دوغلاس البازي الكاهن العراقي طيلة فترة أسره بين أيدي خاطفيه يأكل الخبز مع الشاي البارد. وكان يستخدم الفكاهة للدفاع عن نفسه. ويقول: “إنّ أكثر ما كان يؤلمني هو الإهانات والشتائم الموجّهة إليّ أكثر من وجعي الجسدي، فكانوا يشتمونني ويشتمون أهلي وأصدقائي وعائلتي. أدركوا أنّ تلك كانت نقطة ضعفي. كنت أشعر بالغثيان عندما أسمع تلك الكلمات وحاولت أن أنسحب إلى عالمي الخاص”.
“في اليوم العاشر قال لي الخاطفون إنّ كنيستي دفعت فدية إخراجي من ذلك المكان ويمكنهم أن يفكّوا أسري. وسألني مَن كسر أنفي إن كنتُ سأسامحه على فعلته. صُدمت بحنان صوته وقلت له: “نعم، أغفر لك بالكامل”. فقال: “هل تعني ذلك من أعماق قلبك؟” أجبت: “نعم، وربما سنلتقي يومًا ونحتسي الشاي أو نتناول الغداء معًا شرط أن لا تكون يداك ملطّختين بدماء شخص آخر”.
وتابع الأب دوغلاس: “عندما توقّفت السيارة طلبوا مني أن أتوجّه مباشرة من دون النظر إلى الوراء وبأني سأجد مفاتيح سيارتي في الصندوق. بالطبع لم يكن يوجد أي سيارة. بحثت عن سيارة أجرة وأخبرت السائق بأني لا أملك المال لأدفع له. فهم الأمر عندما رأى حالتي وأوصلني إلى أقرب كنيسة وعندما رآني الأب جمال ركض نحوي وعانقني بشدّة”.
“وهنا وبعد أن عانيت الألم شعرت بالراحة. أخيرًا وبعد أن علمت أنّ أسري فُكّ أجهشت بالبكاء. في تلك الليلة، أبقيت الأضواء مشتعلة في البيت وشغّلت الراديو والتلفاز حتى أصدّق بأنّي ما زلت على قيد الحياة”.
يقول الأب دوغلاس البازي بأنه لا يكنّ أي حقد لخاطفيه. هو يعيش اليوم في عنكاوا في شمال العراق حيث بنى مخيّمًا للاجئين المسيحيين الذين هربوا من وجه الدولة الإسلامية في العراق والشام. ويقول لروبيرت إيوان الصحافي البريطاني العراقي بإنه يريد أن يعود إلى العراق من جديد وأن يقابل الرجال الذين اختطفوه.
“أنا أغفر إنما لن أنسى أبدًا. لا يمكنني أن أنسى الألم والوحدة والوجع. إنما لن أتذكّر أبدًا أن أُنزل العقاب بهم. أنا أرجو الله أن ينزع الشرّ من قلوبهم”.