إن عطايا السّلطة والمواهب هي جوهريّة لحياة الكنيسة، هذه هي النقطة التي تتمحور حولها الرسالة “Iuvenescit Ecclesia” (الكنيسة تستعيد شبابها) التي صدرت ظهر اليوم الثلاثاء الرابع عشر من حزيران يونيو عن مجمع عقيدة الإيمان. تحمل الوثيقة توقيع عميد المجمع الكاردينال لودفيغ مولير وأمين سرّ المجمع المطران لويس لاداريا وهي موجّهة لأساقفة الكنيسة الكاثوليكية وتتمحور حول “العلاقة بين عطايا السّلطة والمواهب في حياة ورسالة الكنيسة”، فعطايا السلطة تُمنح من خلال سرّ الكهنوت (الأسقفيّة، الكهنوت، الشمّاسيّة)، أما المواهب فيوزّعها الروح القدس كيفما يشاء.
تتوقف الرسالة “Iuvenescit Ecclesia” عند المسائل اللاهوتية المتأتيّة من العلاقة بين الكنيسة والحركات الجديدة والجماعات، وتشدد على الترابط المتناغم والمتكامل بينهما، طالما هو في إطار “مشاركة خصبة ومنظّمة” للمواهب في الشركة مع الكنيسة، لا يسمح لها بالابتعاد عن الطاعة للسلطة الكنسية ولا يعطيها الحق في خدمة حرّة. إنها مواهب مهمّة ولا غنى عنها لحياة الكنيسة ورسالتها، ولذلك على المواهب الأصيلة أن تثبّت النظر على الانفتاح الرسولي والطاعة للرعاة والواقع الكنسي.
وبالتالي لا ينبغي أن تتعارض هذه المواهب مع عطايا السلطة، لأنه لا يمكن لكنيسة “المؤسسة” أن تتعارض كنيسة “المحبّة” لأن المؤسسات الأساسيّة في الكنيسة هي أيضًا مواهبيّة، وعلى المواهب أن تندمج ضمن المؤسسات من أجل مصداقيتها واستمرارها. بهذا الشكل يساهمان معًا في جعل سرّ المسيح وعمله الخلاصي حاضرَين في العالم.
ينبغي على الحركات والجماعات الجديدة أن تبلغ نضجًا كنسيًّا يتضمّن ملء التقدير لها وإدماجها في حياة الكنيسة، ودائمًا في الشركة مع الرعاة والتنبّه لإرشاداتهم. إن وجود هذه الوقائع الجديدة في الواقع – تشدّد الرسالة – يملأ قلب الكنيسة بالفرح والامتنان ولكنه يدعوها أيضًا لإقامة علاقات إيجابيّة مع جميع المواهب الأخرى الحاضرة في حياة الكنيسة لكي يعززها الرعاة ويرافقونها بسخاء وسهر أبوي من أجل المساهمة في خير الكنيسة ورسالتها التبشيريّة، إذ وكما نقرأ في الرسالة لا يمكن للبعد المواهبي أن يغيب أبدًا عن حياة الكنيسة ورسالتها.
لكن كيف نعرف الموهبة الأصيلة؟ تحث الرسالة “Iuvenescit Ecclesia” على التمييز، وهو من واجبات السلطة الكنسيّة ويتبع معايير معيّنة: أن تكون الحركة أو الجماعة الجديدة أداة تقديس في الكنيسة؛ أن تلتزم في نشر رسالة الإنجيل؛ أن تعلن الإيمان الكاثوليكي بملئه، أن تقدّم شهادة للشركة مع الكنيسة بأسرها من خلال قبولها بأمانة وجهوزيّة لجميع تعاليمها العقائديّة والرعائيّة، أن تقبل بتواضع لحظات التجارب خلال التمييز، أن تحمل ثمارًا روحيّة كالمحبة والسلام والفرح والإنسانيّة؛ أن تنظر إلى البعد الاجتماعي للبشارة مدركة أن الاهتمام بالتنمية المتكاملة للمتروكين والمهمّشين في المجتمع لا يمكنها أن تغيب أبدًا في واقع كنسيٍّ أصيل.
كما وتشير الرسالة “Iuvenescit Ecclesia” إلى معيارين أساسيين ينبغي أخذهما بعين الاعتبار من أجل الاعتراف القانوني بالحركات والجماعات الكنسية الجديدة بحسب ما تنصّ عليها مجموعة القوانين الكنسيّة؛ الأول وهو احترام الخصوصيّة المواهبيّة للجماعات الكنسيّة، من أجل الحيلولة دون “فرض قوانين” تقضي على حداثتها، أما المعيار الثاني فيتعلّق باحترام النظام الكنسي الأساسي ويعزز الإدماج الواقعي للمواهب في حياة الكنيسة، لكن مع الحيلولة دون أن ينظر إليها كواقع موازي دون العودة إلى عطايا السّلطة.
هذا وتشدّد الرسالة الصادرة عن مجمع عقيدة الإيمان على كيف ينبغي على العلاقة بين عطايا السّلطة والمواهب أن تأخذ بعين الاعتبار العلاقة التي لا غنى عنها بين الكنيسة الجامعة والكنائس الخاصة، هذا يعني أن المواهب قد أُعطيت للكنيسة بأسرها ولكنها في ديناميكيّتها لا يمكنها أن تتحقق إلا من خلال خدمة في أبرشيّة ملموسة؛ لا بل هي تمثّل أيضًا “إمكانيّة أصيلة” لكل فرد ليعيش دعوته المسيحيّة وينمّيها إن كان من خلال الزواج أو العفة الكهنوتية؛ وبالتالي حتى الحياة المكرّسة تجد مكانها داخل البعد المواهبي للكنيسة، لأنه بإمكان روحانيّتها أن تصبح “موردًا مهمًّا” للمؤمن العلماني كما للكاهن إذ تساعدهما على أن يعيش كلّ بحسب دعوته الخاصة.
وتختتم الرسالة “Iuvenescit Ecclesia” بالدعوة للنظر إلى مريم أم الكنيسة مثال ملئ الطاعة لعمل الروح القدس والتواضع، وتتمنّى أن يقبل المؤمنون، بشفاعة العذراء، المواهب التي يوزعها الروح القدس بغزارة لتُثمر في حياة الكنيسة ورسالتها من أجل خير العالم.
(إذاعة الفاتيكان)