© Mazur/catholicnews.org.uk Flickr - BY-NC-SA

اليوم العالمي للشباب – بولونيا كلمة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة اللقاء مع السلطات المدنية والسلك الدبلوماسي في باحة الشرف – فافل الأربعاء 27 يوليو/تموز 2016

فخامة الرئيس، السلطات الكريمة، السادة أعضاء السلك الدبلوماسي، سيداتي، سادتي، أحيي بكل احترام فخامة الرئيس وأشكره على استقباله السخي وعلى كلماته اللطيفة. ويسرني أن أحيي السادة أعضاء الحكومة والبرلمان، وعمداء الجامعات، والسلطات الإقليمية والمحلية، كما وأحيي أيضًا أعضاء السلك الدبلوماسي وباقي السلطات […]

Share this Entry

فخامة الرئيس،

السلطات الكريمة،

السادة أعضاء السلك الدبلوماسي،

سيداتي، سادتي،

أحيي بكل احترام فخامة الرئيس وأشكره على استقباله السخي وعلى كلماته اللطيفة. ويسرني أن أحيي السادة أعضاء الحكومة والبرلمان، وعمداء الجامعات، والسلطات الإقليمية والمحلية، كما وأحيي أيضًا أعضاء السلك الدبلوماسي وباقي السلطات الحاضرة. إنها المرة الأولى التي أزور فيها أوروبا الوسطى-الشرقية ويسرني أن أبدأ من بولونيا، التي أعطت من بين أبنائها الذين يصعب نسيانهم القديس يوحنا بولس الثاني، الذي أنشأ الأيام العالمية للشبيبة وروّجها. كان يحبّ أن يتكلّم عن أوروبا التي تتنفّس برئتيها: حلم بإنسانية أوروبية جديدة، حلم يحييه النَفَس الخلّاق والمتناغم لهاتين الرئتين وللحضارة المشتركة التي تجد جذورها الصلبة في المسيحية.

إن الذاكرة تميّز الشعب البولوني. وطالما ما أعجبت بالحس الحي للتاريخ لدى البابا يوحنا بولس الثاني. عندما كان يتحدث عن الشعوب، كان ينطلق من تاريخهم كي يبرز الكنوز الإنسانية والروحية. إن الوعي على الهوية، وقد حُرِّرَ من عقدة الاستعلاء، هو ضروري لتنظيم جماعة وطنية على أساس التراث البشري والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني، ولتحفيز المجتمع والثقافة، محافظا عليهما بأمانة للتقاليد، وفي نفس الوقت، بانفتاح على التجديد والمستقبل. وفي هذا المنظار، قد احتفلتم مؤخّرا بالذكرى ال 1050 لمعمودية بولونيا، وقد كان بالتأكيد لحظة هامة من الوحدة الوطنية، أكدت كيف أن الوئام، وعلى الرغم من تنوع الآراء، هو الطريق الأكيد لتحقيق الخير العام للشعب البولوني بأسره. كما وأن التعاون المثمر على الصعيد الدولي والتقدير المتبادل، ينضجان عبر الوعي على الهوية الذاتية وهوية الآخرين واحترامهما. فلا يمكن أن يكون هناك من حوار إن لم ينطلق كل طرف من هويته الشخصية. هناك نوعين من الذاكرة في حياة الفرد الشخصية كما وفي حياة أي مجتمع: الخيّرة والشريرة، الإيجابية والسلبية. الذاكرة الخيّرة هي التي يكشفها لنا الكتاب المقدس في نشيد مريم، الذي يسبّح الرب وعمله الخلاصي. الذاكرة السلبية هي التي تُبقِي على نظرِ الفكرِ والقلبِ محدقًا على الشر بهوس، ولاسيما على الشر الذي ارتكبه الآخرون. حين ألقي نظرة على تاريخكم الحديث، أشكر الله لأنكم عرفتم كيف تعطون الأولوية للذاكرة الخيّرة: حين احتفلتم مثلا بالذكرى الخمسين للغفران الذي أُعطِيَ ونِيلَ بشكل متبادل بين الأساقفة البولونيين والأساقفة الألمان، بعد الحرب العالمية الثانية. المبادرة التي أشركت الجماعتين الكنسيتين، ولّدت أيضًا عملية اجتماعية وسياسية وثقافية ودينية لا رجعة فيها، وغيّرت تاريخ العلاقات بين البلدين. نذكر في هذا الصدد أيضًا، الإعلان المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية في بولونيا والكنيسة الأرثوذكسية في موسكو: وقد أنتج عملية تقارب وأخوّة ليس بين الكنيستين وحسب إنما أيضًا بين الشعبين.

فأظهرت هكذا الأمة البولونية النبيلة كيف يمكن تنمية الذاكرة الخيّرة والتّخلي عن الذاكرة الشريرة. هذا الأمر يتطلّب رجاءً ثابتًا وثقةً في ذاك الذي يقود مصير الشعوب، ويفتح الأبواب المغلقة، ويحوّل الصعوبات إلى فرص، ويخلق سيناريوهات جديدة حيث كان يبدو الأمر مستحيلا. ويشهد على ذلك تاريخ بولونيا: فبعد العواصف والظلمات، قد استطاع شعبكم، بعد أن استعاد كرامته، أن يرنم مثل العبرانيين بعد عودتهم من بابل: “كنَا كالحالِمين […] اْمتَلأَت أَفْواهُنا ضَحِكًا وأَلسِنَتُنا تَهْليلاً” (مز 126، 1- 2). إن الوعي على الدرب الذي تمّ اجتيازه، والفرح بالإنجازات التي تمّ التوصل إليها، يولّد قوة وصفاءً لمواجهة تحدّيات الزمن الحاضر، التي تتطلّب شجاعة الحقيقة والتزامًا أخلاقيًا ثابتًا، كي يتم اتخاذ القرارات وتنفيذها، كما والعلاقات البشرية، باحترامٍ لكرامة الشخص على الدوام. إن هذا يشمل أي نشاط: الاقتصاد أيضًا، والعلاقة بالبيئة وطريقة تدبير ظاهرة الهجرة المعقدة.

تتطلّب هذه الأخيرة حكمةً ورحمةً إضافيتين، لتخطّي المخاوف وتحقيق أكبر خير ممكن. يجب تحديد أسباب الهجرة من بولونيا، وتسهيل الأمور للذين يرغبون بالعودة. وفي الوقت عينه، يجب الاستعداد لقبول الذين يهربون من الحروب ومن الجوع؛ والتضامن تجاه المحرومين من حقوقهم الأساسية، ومن بينهم حق إعلان الإيمان الشخصي بحرية وأمان. وفي الوقت عينه، يجب الدعوة إلى التعاون والتآزر الدولي بغية إيجاد حلول للصراعات والحروب، التي ترغم الكثير من الأشخاص على ترك بيوتهم ووطنهم. يعني أنه يجب القيام بكل عمل ممكن لتخفيف معاناتهم، دون أن نتعب من العمل بذكاء واستمرارية من أجل العدالة والسلام، شاهدين بأعمالنا على القيم الإنسانية والمسيحية.

إني أدعو الأمة البولونية، على ضوء تاريخها العريق، إلى النظر برجاء إلى المستقبل وإلى القضايا التي عليها مواجهتها. هذا الموقف يعزّز مناخًا من الاحترام المتبادل بين جميع مكوّنات المجتمع، وحوارًا بنّاءً بين المواقف المختلفة؛ ويخلق من ناحية أخرى، الظروف الأفضل لتنمية مدنية، اقتصادية وحتى ديموغرافية، تغذي الثقةَ بتوفير حياة جيدة للأبناء. فليس على الأبناء مواجهة المشاكل وحسب، إنما التمتع بجمال الخليقة، والخير الذي سوف نقوم به ونحامي عنه، والرجاء الذي سوف ننقله إليهم. وسوف تكون السياسات الاجتماعية لصالح الأسر نفسها، وهي النواة الأصلية والأساسية للمجتمع، أكثر فعالية، بهذه الطريقة، لإعانة الضعفاء والفقراء ومساندتهم في قبول الحياة بمسؤولية. يجب على الحياة أن تكون مقبولة ومحمية على الدوام -الأمرين معا: مقبولة ومحمية- منذ لحظة الحبل وحتى الموت الطبيعي، وإننا مدعوون جميعًا إلى احترامها والاعتناء بها. ومن جهة ثانية، على الدولة والكنيسة والمجتمع أن يرافقوا ويعينوا بطريقة ملموسة كل شخص في حالة صعوبة خطيرة، كي لا يشعر أي ابن بأنه ثقل إنما عطية، وكي لا يتم ترك الأشخاص الهشة والفقيرة.

فخامة الرئيس،

إن الأمة البولونية تستطيع أن تعتمد، كما كانت عليه عبر تاريخها الطويل، على تعاون الكنيسة الكاثوليكية، كي تعرف، على ضوء المبادئ المسيحية التي تحفزها والتي كوّنت تاريخ بولونيا وهويّتها، كيف تتقدّم في مسيرتها، عبر ظروف التاريخ المتغيرة، بأمانةٍ إلى أفضل تقاليدها وهي مملؤة من الثقة والرجاء، حتى في الأوقات الصعبة.

وإذ أجدد التعبير عن امتناني، إني أتمنى لفخامتكم ولجميع الحاضرين خدمة هادئة ومثمرة لصالح الخير العام.

لتبارك سيدة شيستوشوا بولونيا وتحميها!

 

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2016

Share this Entry

Staff Reporter

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير