هذا المثل ينقلُ القارئ ، ببضع آيات ٍ ، إلى فلسطين القرن الأوّل ، في موسم قطاف العنب . هوّذا عمّال من دون عمل ، مسترخين في ساحة القرية ، وقد سُحقوا بشمس الصيف الذي اقترب من نهايته . إنهم ، مع ذلك ، يأملون من يُرسلهم إلى العمل ، إذ لا مناص من إعالة الأسرة . وسوف تــُدفع لهم اجرة يوم تكون نتيجة اتفاق في الحدّ الأدنى من النقود ، وتحت رحمة ربّ العمل ومزاجه . وفيما بالغ المثل حول هذا الجانب ، عكس حالة غير مألوفة من وجهة نظر العدالة الإجتماعيّة . ولكنّها تلمّح ، بالفعل ، إلى أمر هام : بجانب العدالة الإجتماعيّة ، هناك ” عدالة القلب ” : وإذا كان يصعُب التوفيق بين هاتين العدالتين في العلاقات البشريّة ، فليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الله . وينبغي لبعض الناس أن يكونوا على بيّنة من أن علاقاتهم بالله ليست علاقة ” مـــُستَخدم غيور ” على حقوقه مع ربّ العمل .
القسم الأوّل من الرواية (الآية 1 – 7 ) يُعِدّ الخلاف . لقد انتجَ الكرم أكثر من التوقّع ، طالما أنّ سيّد الكرم كان يخرج كل ثلاث ساعات ، للبحث عن أياد ٍ عاملة جديدة . انه يَعِدُ أول مجموعة من الفعلة ” بما هو عادل ” ، ونفهم من ذلك اجرة يُقتَطع منها بضع ساعات . وباشر الفريق الأخير بالعمل ، ساعة واحدة قبل النهاية . أما تبريرهم لحالة البطالة – ” لم يستأجرنا أحد ” – فله قيمة نجهلها . وفي كلّ الأحوال ، لن يستطيعوا أن يسدوا حاجاتهم بثمن ساعة من العمل ! .
وفي القسم الثاني (الآيات 8 – 15) ، لدى ساعة أداء الحساب ، ينفجر النزاع : والسبب هو أنّ الآخرين قبضوا ” مثل ” الأوّلين . فراح الأوّلون يحتجّون بلسان أحد الجريئين . ويجيبهم السيّد أنه لم يبخس حقهم حين أعطاهم الاجرة المتّفق عليها . ولكنه – وهو وحده القيّم على نقوده – ” شاء ” أن يعطي الآخرين مثل الأوّلين . ويُختم هذا الحوار ، وهو مفتاح المثل ، بسؤال دقيق بقي معلّقا : في الأساس ، أليست المشكلة هي مشكلة حسد لديك ؟ طالما تعتبر أنك تستحقّ أكثر منهم ، ولا تتقبّل جودتي المجانيّة تجاههم ؟! أوليست هي ، بالأكثر ، مشكلة ” طمع ” ؟!
نرى أيضا ، في أمثال يسوع الأخرى ، مثلٌ شبيهٌ بمثل عمّال الساعة الأخيرة ألا وهو مثل الابن البكر في مثل الابن الضالّ (لوقا 15 ) . ذلك أنّ الله قرّر أن يُظهر حنانه تجاه الخطأة ؛ لذا اهتمّ كثيرًا يسوع ، مرسَله ، بهؤلاء الناس ، حتى أن توجُّهَهُ صدمَ بعض الصدّيقين الذي يعتبرون أنّ لهم حقوقا على الله ، أكثر من هؤلاء الذي لا أهميّة لهم تُذكر ، ولا يقومون بخدمة السماء – وكأنّ الله حين يخلّص الخطأة ، ينتقص شيئا من أحبائه !
كثيرًا من آباء الكنيسة القديسين فهموا بالأوّلين والأخيرين في هذا المثل ، القدّيسين الذين يوجد تفاوت بين درجاتهم ومراتبهم في السماء . يقول إيلاريوس وتاوافيليكتوس أنّ المفهوم باليوم في المثل ، هو مجرى العالم والزمان ، وبالساعة الآولى العصر الأوّل من العالم من آدم إلى نوح . وبالساعة الثالثة من نوح إلى إبراهيم . وبالساعة السادسة من إبراهيم إلى موسى ، وبالتاسعة من موسى إلى المسيح ، وبالحادية عشرة من المسيح إلى نهاية العالم . وفسّر القديس إيرونيموس وفولجنسيوس أنّ المفهوم باليوم ” عمر الإنسان ” ، وبالساعة الآولى ” الصبوة ” ، وبالثالثة ” الشبوبة ” ، وبالسادسة ” الرجوليّة ” ، وبالتاسعة ” الكهولة ” ، وبالحادية عشرة ” الشيخوخة ” . وهذا دليلٌ ، أنّ لا تفضيلٌ على مَن تعبّد لله في آخر عمره على من تعبّد له منذ صباه ، إذا كان الأوّل جاوبَ نعمًا أكثر عظمة ً وبأوفر جدّ وحرارة . ويُفهَم أيضا بالأوّلين ” اليهود ” ، وبالأخيرين ” الأمم – الوثنيّين ” ، لأنّ اليهود الذين حملوا نير الشريعة الثقيل أجيالا كثيرة ، أخذوا دينارًا أجرة اليوم بمنزلة أجرة مشروطة لأعمال الشريعة الموسويّة .
Pixabay
أليست المشكلة هي مشكلة حسد لديك؟
قراءة في مثل عمّال الساعة الأخيرة (متى 20 : 1 – 16)