ترأّس البابا فرنسيس اليوم قدّاس إعلان الأم تريزا قديسة في ساحة القديس بطرس وللمناسبة ننقل إليكم قسمًا منها: “من الذي يتصور ما يريد الرب؟” (حك 9: 13) إنه سؤال من سفر الحكمة سمعناه في القراءة الأولى وهو يصوّر لنا حياتنا كسرّ حيث مفتاحه ليس بحوزتنا. إنّ بطلَي هذا التاريخ هما دائمًا اثنان: الله من جهة والناس من جهة أخرى. مهمتنا تكمن في أن ندرك دعوة الله الموجّهة إلينا ومن ثمّ استقبال إرادته. إنما بهدف استقبالها من دون تردد نسأل أنفسنا: ما هي إرادة الله في حياتي؟
في المقطع نفسه من سفر الحكمة، نجد الإجابة: “هكذا قُوِّمت سبل الذين على الأرض وتعلّم الناس ما يرضيك وبالحكمة نالوا الخلاص” (آية 18). بهدف تلبية دعوة الله علينا أن نسأل أنفسنا وأن نفهم ما يرضيه. غالبًا ما كان يعلن الأنبياء ما يرضي الرب. وكان لرسالته خلاصة يُعبَّر عنها: “أريد رحمة لا ذبيحة”. كل عمل رحمة يروق لله لأنّ الأخ الذي نساعده نجد فيه وجه الله الذي يعجز أي إنسان آخر عن رؤيته. في كل مرة ننحني على حاجات إخوتنا، نعطيهم ما يأكلون أو ما يشربون فإننا نفعل ذلك ليسوع: نحن نلبس ونؤيد ونزور ابن الله.
من هنا نحن مدعوون إلى ترجمة صلواتنا إلى أعمال وكل ما نجاهر به في الإيمان. لا بديل عن المحبة: من يضعون أنفسهم في خدمة إخوتهم حتى من دون أن يدركوا ذلك هو أحبّاء الله. ومع ذلك فالحياة المسيحية ليست مجرّد مساعدة بسيطة نقوم بها عند الحاجة فإن كانت كذلك فهي بالطبع شعور جميل يعبّر عن التضامن الإنساني الذي يخلق فائدة فورية إنما ستكون عقيمة لأنّ لا جذور لها. إنّ الالتزام الذي يسأله الرب منا على العكس هو التزام بدعوة المحبة التي في خلالها يضع كل تلميذ للمسيح حياته الشخصية في خدمة معلّمه من أجل أن ينمو كل يوم في المحبة.
لقد سمعنا في الإنجيل أنّ “جموعًا غفيرة كانت تتبع يسوع” (لو 14: 25) واليوم “هذه الجموع الغفيرة” تمثّل العالم الكبير من المتطوّعين الذين اجتمعوا اليوم لمناسبة يوبيل الرحمة. أنتم هذا الجمع الذي يتبع المعلّم والذي يجعل من هذا الحب الملموس مرئيًا لكل إنسان. أردّد لكم كلمات الرسول بولس إلى فيلمون: “نالني من محبّتك كثير من الفرح والعزاء” (آية 7) كم من القلوب يريحها المتطوّعون! كم من الأيادي تدعمهم! كم من الدموع يمسحها المتطوّعون! كم من المحبة في الخدمة المخبّأة والمتواضعة والتي فيها نكران من الذات! إنّ هذه الخدمة الجديرة بالثناء تظهر الإيمان وتعبّر عن رحمة الآب الذي جعل من نفسه قريبًا من كل من هم بأمس الحاجة إليه.
وتابع البابا ليقول: “اتباع يسوع هو التزام جاد وفي الوقت نفسه يبثّ الفرح؛ هذا يتطلّب شجاعة من أجل التعرّف إلى المعلّم الإلهي في أفقر الفقراء وأن نكون في خدمته. لهذا إنّ المتطوّعين يخدمون الفقراء والمعدمين بمحبة ليسوع لا ينتظرون أي اعتراف إنما يتخلّون عن كل ذلك لأنهم اكتشفوا الحب الحقيقي. وكما أنّ الرب أتى من أجلي وانحنى عليّ في وقت الضيق هكذا أنا عليّ أن أذهب إلى الآخر وأنحني على كلّ من فقدوا الإيمان أو يعيشون وكأنّ الله ليس موجودًا، على كل الشبيبة التي فقدت القيم والمثل العليا، على العائلات التي تمرّ في أزمات، على المرضى والمسجونين وعلى اللاجئين والمهاجرين والضعفاء وكل من هم عُزَّل جسديًا وروحيًا، على القاصرين المتروكين وحتى على المسنين الوحيدين. حيث توجد يد ممدودة تسأل المساعدة حتى تقف من جديد هكذا هو حضور الكنيسة الذي يدعم ويمنح الأمل.