Falco - Pixabay - CC0

هل يغفر ليَ الله على خطيئة مميتة؟ وماذا عليّ أن أفعل عندما يكون لديّ خطيئة مميتة؟

تعليم الكنيسة بخصوص تحديد الخطيئة يقول: الخطيئةإساءةً إلى العقل والحقيقة والضمير المستقيم. وهي إجحافٌ بالمحبّة الحقيقيّة لله والقريبْن بسبب تعلّق أثيم ببعض الخيور. إنها تجرحُ طبيعة الإنسان وتؤذي التضامن البشريّ.  وحُدّدت بأنها ” كلمة أو فعل أو شهوة تخالف الشريعة الأزليّة”. (القديس […]

Share this Entry

تعليم الكنيسة بخصوص تحديد الخطيئة يقول: الخطيئةإساءةً إلى العقل والحقيقة والضمير المستقيم. وهي إجحافٌ بالمحبّة الحقيقيّة لله والقريبْن بسبب تعلّق أثيم ببعض الخيور. إنها تجرحُ طبيعة الإنسان وتؤذي التضامن البشريّ.  وحُدّدت بأنها ” كلمة أو فعل أو شهوة تخالف الشريعة الأزليّة”. (القديس أوغسطينوس ضد فوستوس) (تعليم الكنيسة 1849).
ينظرُ العهد القديم للخطيئة من نواح ٍ مختلفة. فالخطيئة هي عصيان لأمر يهوه (عد 14 : 9؛ تث 28 : 15 – 44)، وفعل إرادة حرّة (تك 4 : 7)، صادر عن قلب شرير ( تك 6: 5؛ مز 51 : 12)، وتمرّد، وظلم، وبغض لله، وإبتعاد عن الله، وعدم أمانة وعدم إيمان. والموضوع في كلّ خطيئة هو أنّ الإنسان ينكث بالوعد الذي قطعه الله معه. ففي الخطيئة ينتهكُ واجب الأمانة تجاه الله ويخالفُ العدل تجاه سائر الناس.
تستهدف الخطيئة الشخص ذاته، لإنها تنتهكُ معنى الوجود الإنسانيّ وتبعد الإنسان عن غايته القصوى، الشركة مع الله. إذن هي فقدانُ المحبة. فيها، عوضا من الإله الواحد الحقيقيّ، يضعُ الإنسان محور حياته في أمور فانية: كالقوّة، والثروة، والجنس، واللذّة، وكثير غيرها.
الخطيئة يمكن أن تحصل بالفعل والقول والإهمال. والسبب العميق لكلّ هذا هو “إهمال المسؤوليّة في التصوّر الشامل لمهامّ الحياة”. وبإمكان الخطيئة أن تُفسد الجوّ الإجتماعيّ بكامله. ” فحيثما اضطربَ نظام الاشياء من جرّاء الخطيئة يجدُ الإنسان، وقد وُلد ميّالا إلى الشرّ، حوافز جديدة تحفزه على الخطيئة”.
لنرى الآن ما هي الخطيئة المميتة . هذه المسألة (أي التمييز بين خطيئة مميتة وأخرى عرضيّة)، حصل منذ القرن الرابع. وقد صار هذا التمييز في القرن الحادي عشر أمرًا مألوفـــا على وجهٍ تامّ. في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ، حدد اللاهوت السكولاستيكيّ الخطيئة المميتة بأنها إرتداد الغاية القصوى وتصرّف ضدّ المحبّة والخطيئة العرضيّة بأنها خللٌ في الوسائل التي تؤدّي إلى الغاية، أو فعل إنسانيّ غير مكتمل.
هناك ثلاثة مقاييس تّحدد جسامة الخطيئة: مقدار الحرية المعطاة والممارسة، ووضوح المعرفة، وأهميّة المادة.
الحرية تمارَس دومًا في مسيرة زمنيّة. فالإنسان لا يقعُ في خطيئة جسيمة بشكل ٍ مفاجئ، ولكن بعد أن يكون الموقف الأخلاقيّ السيء  قد تمّ الإعداد له.
وضوح المعرفة، المراد أن يكون الإنسان على علم ٍ بخطورة ما يُقدم عليه وبمخالفته لوصيّة الله.
أمّا أهميّة المادة، فالمقصود هو ما ينطوي عليه العمل أو الأمر، السيّئان من الوجهة الموضوعيّة، من جسامة أكثر أو أقلّ ( المادة الثقيلة – المادة الخفيفة). يقول البابا القديس يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي ” في المصالحة والتوبة ” :” إنّ بعض الخطايا، بما يخصّ مادّتها، هي من ذاتها ثقيلة ومميتة، وهذا يعني أنّ ثمّة تصرّفات هي من ذاتها وفي ذاتها، بمعزل عن الظروف، دوما غير مسموحة على نحو ثقيل بسبب مضمونها الموضوعي”.
إذن الخطيئة المميتة تقضي على المحبة في قلب الإنسان بتعدّ كبير لشريعةالله. والخطيئة العرضيّة تُبقي المحبّة، وإن أساءت إليها وجرحتها.
الإقرار بالخطايا للكاهن، حتى من الناحية البشريّة البحتة، يحرّرنا ويسهّل علينا مصالحتنا مع الآخرين. الإقرار يتيح للإنسان أن يواجه الأخطاء التي اقترفها، ويتحمّل مسؤوليّتها، ويعود من ثمّ إلى الله والى الشركة الكنسيّة ليُعدّ لذاته مستقبلا جديدًا. فالإقرار إلى الكاهن بالخطايا، هو جزءٌ جوهريّ في سرّ التوبة.
القضيّة ليست في أنّي فعلتُ خطيئة، بل المشكلة الكبيرة هي عدم الإعتراف بها: أمام ذاتي وأمام الله وأمام الكاهن الوسيط الذين، يحلّني ويربطني. وهذه أزمة كبيرة تعصفُ عالمنا المسيحيّ، وقد يكون السبب : إساءة فهم سرّ الإعتراف، نظرة خاطئة للخطيئة، مزاجيّات منوّعة وفتاوى من هنا وهناك، نظرة سلبيّة على الكاهن (وكأن الكاهن يجب أن يكون بلا خطيئة وضعف!). ” من الضروريّ الإقرار بالخطايا الثقيلة (المميتة)، التي يتذكّرها المعترف، بعد فحص للضمير دقيق، إقرارًا دقيقـــــًا يوضح عددها ونوعيّتها والظروف المحيطة بها (دنتسنغر 1707). وكل مؤمن، بموجب وصيّة الكنيسة، متى بلغ سنّ التمييز ملزَمٌ بالإعتراف بخطاياه إعترافا صحيحًا على الأقلّ مرّة في السنة.  بالتعويض (التكفير) عن الخطيئة المميتة ، يجبُ أن يصحّح، قدر الإمكان وبالطريقة الملائمة، الضرر الذي ألحقته الخطيئة أو الشكّ الذي أثارته (مثلا بإعادة الشيء المسروق، وإرجاع الصيت الحسن للآخرين). والتعويض يساعد أيضا على التدرّب في الحياة الجديدة؛ وهو وسيلة خلاصيّة ضدّ العنف. لذلك يجب أن يكون عمل التعويض(التكفير)، ما أمكن، مناسبا لثقل الخطايا ونوعيّتها. فقد يكون صلاة أو صوم أو تقدمة عن شيءما، أو عمل رحمة للقريبْ، ومساعدة فقير… الخ. هنا فقط، يستطيع الإنسان أن يعيد نفسه من الضياع.

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير