أيها الإخوة والأخوات في الأردن العزيز المضياف،
لعيد الميلاد أكثر من رمز، منها ديني محض ومنها اجتماعي وعائلي. ومن هذه الرموز التي تجمع بين الروحي والاجتماعي المغارة. وعندما كنّا نقول في الماضي كلمة مغارة، كنا نعني مكانًا بدائيًّا، فقيرًا، باردًا، مرفوضًا. لكن مولد يسوع المسيح في مغارة بيت لحم غيّر معنى الأمور. فقد ولد في المغارة، ومنذ ذلك الحين، أصبحت المغارة التي ولد فيها يسوع الطفل مغارة حب. مغارة حب لا بيت حب ولا فيلا حب ولا قصر حب. مع مولد المسيح، أصبحت للمغارة روحانية نختصرها بثلاث كلمات: الدفء والخصوصية والحماية.
أولاً الدفء: الدفء المقصود هو دفء المحبة التي كانت تجمع بين عائلة يسوع ومريم ويوسف. ففي المغارة الضيّقة، الجميع يستدفئ معًا، وحرارة الدفء تمرّ من شخص آخر في المغارة. روحانية المغارة هي روحانية المشاركة في الدفء والمحبة بالرغم من الفقر المادي، والمشاركة نعمة وتعطي النعمة.
ثانيًا: الخصوصية: الخصوصية تعني أن ما يحدث داخل المغارة يبقى – ويجب أن يبقى- في المغارة. وإن كانت العائلة المسيحية مغارة حب على مثال مغارة بيت لحم، فالخصوصية داخل مغارة الحب لها أهمية كبيرة. المقصود هو أن ما يحدث في العائلة يجب أن يبقى في العائلة. نحن نعلم والجميع يعلم أن معظم مشاكل العائلات في بلادنا سببُها خروج السر المقدس من المغارة، وتدخلات خارجية قد تصل إلى كسر رباط الزواج. ما يحدث في مغارة الحب في العائلة يجب أن يبقى في العائلة ويجب أن يُحلّ في العائلة.
ثالثا: الحماية. فاللاجئ يحتمي في المغارة، والغريب يلجأ إلى المغارة، والهارب من المطر يحتمي في المغارة. انها تحمي من العواصف الخارجية ومن التدخلات والمشاكل الخارجية، وكل ما يهدّد سلامة العائلة.
أيها الاحباء، في هذه الايام، تعيش الاسرة الاردنية مشاعر ممتزجة: فمن جهة نحزن على فراق كوكبة من أخوتنا العاملين في الامن العام او الدرك او مواطنين عزّل وسائحين أعزاء، ونترحم على ارواحهم الطاهرة، التي قدموها هدية للوطن بقيادته وشعبه، ومن جهة أخرى نفخر بقدرة أجهزتنا الامنية، بتوجيهات من سيد البلاد، للتصدي لكل محالات النيل من أمن الاردن ومنعته ووحدته الوطنية. وفي الوقت الذي دعونا فيه كنائسنا الى اقتصار الاحتفال بالميلاد هذا العام على الشعائر الدينية، وإلغاء الاحتفالات الخارجية المرافقة للعيد، اننا نقدم صلوات العيد، من أجل الاردن، لكي يبقى آمنا ومستقرا، كما هو عهده دائما، وأن تبقى وحدتنا الوطنية، خلف قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، سياجنا المنيع في وجه أي طامع بالنيل من سلام الاردن وتقدمه واستقراره .
في السنوات الماضية، برز الأردن ملاذا آمنا للكثير من الأخوة المشرّدين والمبعدين قسرا عن أوطانهم، ومنهم من أمضى فترة لدينا، ومن ثم غادر الى بلاد بعيدة، الا انّ الحفاوة والضيافة الاردنية، ستبقى ذكرى حية لهم أينما حلوا وتوجهوا. صلاتنا الى الرب أن يبقى بلدنا العزيز آمنا مستقرا، لمواطنيه أولا ولكل من يطرق بابه بحثا عن المحبة والكرامة. واننا لنصلي في هذه الأيام الميلادية، لكي يحفظ الرب العلي مملكتنا العزيزة، وأن يحفظ الاردن الكبير اسرة واحدة متحابّة، في الوئام والأخاء، بقيادة صاحب الجلالة، وجميع من يسهرون على أن يبقى الاردن، مثل مغارة بيت لحم، بيتا دافئا وآمنا وحاميا، وتنبع خصوصيته بسياسة ابوابه المفتوحة لكل المجروحين من الاشقاء.
أيها الإخوة والأخوات، صلاتنا اليوم من أجل مَن أسّس هذه السنة أو يخطط لتأسيس عائلة جديدة، أي مغارة حب. ونصلي أيضًا من أجل جميع العائلات في بلادنا وفي العالم، كما نصلّي من أجل جميع العائلات المجروحة والمـتألمة والمكسورة. نصلي كي تبقى عائلاتنا مغارة حب تشع دفئًا وخصوصية وحماية وصمتًا وصلاة، حيث يحب بعضها بعضا في الضيق والرخاء، في المرض والصحّة، فتعيش في ظل المحبة والاكرام طول أيام حياتها.
وكل عام وأنتم بخير، آمين
المطران مارون لحام
النائب البطريركي للاتين في الاردن
Pixabay CC0
كلمة الميلاد 2016 للمطران مارون لحام
أيها الإخوة والأخوات في الأردن العزيز المضياف، لعيد الميلاد أكثر من رمز، منها ديني محض ومنها اجتماعي وعائلي. ومن هذه الرموز التي تجمع بين الروحي والاجتماعي المغارة. وعندما كنّا نقول في الماضي كلمة مغارة، كنا نعني مكانًا بدائيًّا، فقيرًا، باردًا، مرفوضًا. لكن […]