ليلة العيد هي مناسبة للعودة إلى الذات والتفكير، ومحاولة للتغير والتطوير نحو الأفضل. والفترة التي تسبق العيد تسمى بزمن المجيء والتي فيها يستعد المؤمن للعيد بالصلاة والتوبة الداخلية، ويعيش فيها السلام الداخلي الذي ينعكس على المحطين معه في علاقة ملؤها المودة والمحبة من خلال الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة للآخرين.
وعيد الميلاد مناسبة لممارسة أعمال الرحمة والمحبة، إذ نحن بحاجة إلى المبادرة إلى فعل الخير وخاصة في أيام العيد. ومن أهم الأفعال العملية التي علينا القيام بها هي مساعدة من هم بلا مأوى أو طعام، وأن نجد الطفل يسوع في وجه كل فقير ولاجىء نساعده. وهذه السنة الثانية على التوالي التي يتزامن ميلاد السيد المسيح فيها مع المولد النبوي الشريف، فتلتقي معاني المحبة مع صفات الرحمة والمودة.
ما أحوجنا في هذه الأيام إلى أن يبذل الإنسان نفسه على مثال السيد المسيح من أجل الآخرين.
السلطة التي كانت للمسيح هي سلطة المحبة والخدمة، والمبدأ الأخلاقي الأساسي هو أن القوي ليس الذي يقتل ويكره ويحقد بل الذي يغفر ويسامح ويحب. ففي زمن المسيح كان يوجد حاكم اسمه هيرودوس الكبير (29 ق. م. ) الذي عرف بالسفّاح لكثرة ما اقترفت يداه من الجرائم والشرور بحق أهل بيته. وما أشبه العالم اليوم بالأمس حيث كثيرون يقتلون من أبناء جلدتهم، لكن يأتي الحل بالمغفرة والمصالحة والمسامحة. إذ أن الزمن الميلادي هي الفترة التي تدكرنا بضرورة إيقاف الحروب والصراعات وسفك الدماء البرئية الزكية الطاهرة. وكان موقف المسيح من قاتليه والذين عذبوه بمسامحتهم، حيث قال : “يا أبت أغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون”.
المسيح هو ملك السلام والتواضع، فهو لم يولد في قصر منيف، ولم يمتلك مالاً، وليست له جيوش أو سلطة بشرية، بل ولد في مذود بسيط وعاش متواضعاً وديع القلب، لأنه لم يسعَ وراء المجد الباطل بل إلى بناء ملكوت الله وخدمة البشر.
يجب أن نتوحّد ونكون يد واحدة، في مواجهة الإرهاب والقتل، وكما قال السيد المسيح: “لا تخافوا ممن يقتل الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالأحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم” (متى 28:10). لذلك فلنطرح عنا كل خوف ونضع ثقتنا بالله.
وبسبب العنف الذي تسبب في استشهاد كوكبة من أبناء الوطن، فقد ألغت مطرانية الروم الكاثوليك الاحتفالات الخارجية، واقتصرتها على الصلوات الدينية، كما أقامت الصلوات والأناشيد على نية الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الوطن. وكما نطلب الرحمة للشهداء الذين سقطوا على ثرى محافظة الكرك الأبية وكل مكان في أردننا الغالي ونقدم العزاء لذويهم، ونأمل أن تعلو أصوات أجراس الكنائس ومآذن المساجد على أصوات المدافع.
وفي الختام نتمنى للجميع ميلاداً مجيداً وسنة جديدة يعم فيها السلام والمحبة والرحمة والمودة بين أبناء الأسرة الأردنية الهاشمية الواحدة. ونصلي ونتضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظ جلالة الملك المعظم عبد الله الثاني ابن الحسين وكافة الأجهزة الأمنية الذين يسهرون على حماية الوطن.
الأرشمندريت د. بسام شحاتيت
النائب الأسقفي العام لمطرانية الروم الكاثوليك